الأردن وخبر «شارد وخبيث» في ثنائية «رزاز- روابده»: حكومة تحت «خدش» منهجي تمهيداً لتصبح «آيلة للسقوط»
تسريب أم إشاعة حول استقالة الحكومة… والرسالة وصلت
قد تبدو مجرد «نكشة مخ» إعلامية او ليس أكثر من «خبر شارد» لا معنى له اضطرت الحكومة الأردنية لنفيه والرد عليه. لكنها محطة وقياساً بالتقليد والعرف السياسي المحلي سبق ان عبر منها رؤساء حكومات سابقون عديدون.
المحطة فجأة قالت مساء الخميس تسريباً غريباً بعنوان «الرئيس عمر الرزاز قدم استقالته وتكليف عبد الرؤوف الروابده بتشكيل حكومة جديدة». الخبيث جداً في هذا التسريب ليس انه يستهدف مباشرة الرئيس الرزاز بعد تعليقه الأخير الذي نفض النشطاء الغبار عنه وهو يقول «نفس الحكومة طويل».
بل إنه تسريب يعيد إنتاج «حالة قابلها الروابده» نفسه قبل نحو ربع قرن عندما كان أول رئيس حكومة في عهد الملك عبدالله الثاني وضايقته إشاعات الرحيل آنذاك واضطر لنفي المسألة قبل ان يقدم استقالته في أحد المقرات السيادية.
الأدهى سياسياً وإعلامياً في التسريب الذي تبادله أكثر من مليون أردني رغم أنه «محض شائعة» هو العزف على وتر الصورة الأخيرة التي التقطت للملك عبدالله الثاني وهو يزور منزل المناكف البيروقراطي الشرس الروابده بحضور وترتيبات رئيس الديوان الملكي يوسف عيسوي. تلك صورة يمكن فهم مبررات تسريبها قبل أكثر من أربعة أسابيع الآن.
عملياً لا يوجد «أساس «لا ملكي ولا سياسي للقول بأن الرزاز يمكنه أصلاً ان يستقيل فهو بالانطباع العام رجل «لا يستقيل ولن يفعل» حسب صديق هو الأقرب له. وهو رجل لديه حالة «إطمئنان عجيبة» وسكينة سياسية لم تعد مفهومة وكان يتابع التفاصيل ويقود المشهد في التعاطي مع أزمة المعلمين كما فهمت «القدس العربي» من وزيره للداخلية المخضرم سلامة حماد المصر على ان هيبة الدولة والقانون هو الاساس والمفصل دوماً.
وهو- أي الرزاز- سبق أن أبلغ الرأي العام مرات عدة بأن نفس حكومته طويل بالرغم من ان نائب نقيب المعلمين ناصر نواصره الذي يقود حراكاً مثيراً وخطيراً واستثنائي التأثير حاول بوضوح ومرات عدة «خدش» صورة الرزاز بالتحدث مباشرة عنه وإليه وبعبارات قاسية أحياناً.
وبالتالي لا يوجد «أساس مهني» للخبر الشارد الذي تناقلته جميع المنصات والمواقع نفياً اوترجيحاً أو بصيغة رغائبية حول إقالة الرزاز وتكليف الروابده مع ان الأخير «خارج حديقة القرار والحكم» من سنوات وبعد «خلاف علني» شهير بسبب قانون انتخاب جديد وصفه بانه «بلا أب» ثم غادر موقعه وقتها في رئاسة مجلس الأعيان. ويفترض منطقياً ان الرزاز بانتظار ضوء أخضر يسمح له برابع تعديل وزاري على طاقمه الوزاري. لكن أزمة نقابة المعلمين من المرجح انها تؤجل هذا الضوء الاخضر على أساس ان حسابات التأزيم قد تقفز بسيناريو تغيير بدلاً من التعديل.
وعليه يمكن القول بأن أكثر نصيحة منتجة يمكن أن تخاطب الرزاز اليوم بعد «نكشة إقالته وتكليف الروابده»هي تلك التي تقترح عليه التوقف عن «الإسترخاء والاطمئنان» وإظهار قدر أكبر من احترام «القلق» لأن الهدف الأعمق بالصورة التي يتم تركيبها اليوم قد لا يكون شخص رئيس الوزراء فقط.
تلك بالمقابل حسابات لا يجد الرزاز الوقت الكافي للالتفات إليها وإن كان الخبر الشارد وفي حال إسقاطه على الطريقة الأردنية المعتادة في تدشين مواسم ترحيل الحكومات بالطرق غير المعتادة صفعة أو رسالة من طراز خاص لا بد من تفكيك أحرفها. إذ يبدأ بالعادة موسم تفكيك مشاريع الحكومات بشائعات وتسريبات من هذا النوع وبتركيب صورة اجتماعية لرئيس وزراء حكومته آيلة للسقوط حتى تركب على سكتها الصحيحة سيناريوهات «أزمة وطنية تطيح الحكومة» حيث الأزمة موجودة ومتراكمة اليوم وبالجملة وبتوقيع 120 ألف معلم أردني يهتفون اليوم ضد الرزاز بكلمة..«إرحل».
طبعاً لا يعني ذلك أن أوساط القرار متفقة أو متوافقة فمثل هذه التسريبات الشاردة تخدش فكرة «بقاء وثبات أي حكومة» وتمهد فعلاً عاجلاً أو آجلاً لهزها ورحيلها والاهم انها تسريبات تقلق الطاقم الوزاري وتعطل إمكاناته وتنهشه عملياً خلافاً لأنها – وبحكم المألوف – لا تصدر من فراغ وترعاها صالونات او مراكز قوى أو جهات رسمية وشبه رسمية.
بمعنى آخر لا تحصل عملية تركيب صورة يغادر فيها الرزاز ويقترح فيها الروابده وهو آخر رئيس حكومة التقاه الملك شخصياً وعائلياً مجاناً وبدون سبب سياسي وجيه وان كانت المنصات شغوفة أصلاً بكل أنماط التسريبات وجبهة الحكومة بسبب إضراب المعلمين المتجدد في أضعف أوضاعها.
إدارة حكومة الرزاز لأزمة المعلمين صدمت حتى أنصاره ومؤيديه وموقفه المتصلب ضد المعلمين أصبح سراً لا يفهم خلفيته حتى أقرب الوزراء إليه و«القدس العربي» استمعت لوزيرين على الأقل أحدهما محسوب تماماً على الرئيس والثاني ضده طوال الوقت.
كلاهما قدم الإفادة نفسها عن جهلهم بأسباب تصلب الرجل في موقفه إزاء أزمة المعلمين. وكلاهما اتفقا على ان الحكومة «حفرت قبرها» بيدها أو حفرها لها القبر السياسي والشعبوي والمدني فتطوعت لإلقاء جثتها في الأعماق والبقية مسألة وقت.