اراء و مقالات

«ضجة مفتعلة»: حزب «الدعوة» العراقي يريد «اجتثاث» البعثيين حتى في الأردن

عمان- «القدس العربي»: حسناً فعلت السلطات الحكومية الأردنية وهي تجري مشاورات مع نشطاء وأقطاب حزب البعث الاشتراكي الأردني الذي تمكن من تصويب أوضاعه قانونياً مؤخراً تحت عنوان التهدئة وتجنب المشاركة في حفلة النقاش والتجاذب التي أراد تصعيدها على المستوى الإعلامي والسياسي حزب متشدد في بغداد هو حزب الدعوة الإسلامي.
المطلوب في ذهن المؤسسة الأردنية هو أن يرد البعثيون فتغرق حزمة المصالح الأردنية – العراقية المشتركة، والذي تم الانشغال كثيراً بتأطيرها وتنميطها والتوافق عليها مؤخراً تحت بند تلك المجادلات العقيمة المتعلقة بالبعثيين وبعهد الراحل الشهيد صدام حسين.
تصرف الحكومة الأردنية هنا ينطوي على حكمة. وأغلب التقدير أن نشطاء حزب البعث العربي الاشتراكي وبصرف النظر عن علبة الاتهامات التي يحاول ترويجها تحت قبة البرلمان العراقي نواب موالون لإيران، يمكن القول إنه أظهر حكمة حتى في التعامل مع المعطيات؛ فهو يتمتع بشخصية قانونية بموجب تعديلات قانون الأحزاب الأردنية.
والهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وضعت حزب البعث الاشتراكي، الموصوف سياسياً وأيديولوجياً بأنه قريب من النسخة العراقية من البعث، ضمن الأحزاب التي تمكنت من تصويب أوضاعها، الأمر الذي اعترض عليه بصخب الحزب العراقي وكتلته البرلمانية.

من أثار الضجة؟

جهة ما في العراق قررت إثارة ضجة. وهي بالتأكيد ضجة مفتعلة؛ لأن حزب البعث الاشتراكي الأردني مسجل أصلاً في الأردن منذ أكثر من ربع قرن وحظي برخصة سابقة قبل الانتقال إلى مسار تصويب الأوضاع القانونية بموجب وثيقة تحديث المنظومة السياسية في البلاد.
وهذه الحقيقة القانونية تثبت بأن حزب الدعوة العراقي أراد افتعال مشكلة في الهواء، وسبب ذلك على الأرجح واضح لمجسات القرار الأردنية، ومن هنا امتنعت الحكومة الأردنية وحتى رئاسة البرلمان الأردني عن إصدار أي تعليق على تلك الضجة التي تم افتعالها، كما امتنع بالمقابل أقطاب حزب البعث العربي وهم من خبراء الشؤون الحزبية والعمل النقابي والوطني في الأردن ويعملون تحت ضوء القانون وفي ظل نصوصه منذ عشرات السنين.
في كل حال، تلك الزوبعة أثارها أعضاء في حزب الدعوة العراقي تقدموا بمذكرة للجنة الشؤون الخارجية في برلمان العراق، تطالب بالاعتراض على ما سمّوه ترخيص حزب جديد في الأردن محسوب على النظام البائد، على حد تعبير قيادات حزب الدعوة التي تشير علناً للرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ويبدو أن الخطوة التي اتخذها نواب حزب الدعوة تنسجم مع منطق اجتثاث البعث الذي لا يزال حتى برأي الأوساط السياسية الأردنية المطلعة والخبيرة والحكيمة، ضمن المنطق الذي يحول دون تحقيق العديد من المكاسب والمصالح للشعب العراقي ولمؤسساته. وبكل حال، صدرت مذكرة حزب الدعوة، وأدلى بعض قادة الحزب بتصريحات تتحدث عن سلسلة من الاتفاقيات والمشاريع المشتركة مع الأردن، فيما ترخص الحكومة الأردنية حزب البعث الموالي لصدام حسين في عمان. السياق ابتزازي بامتياز، حيث طالبت كتلة الدعوة باستدعاء السفير الأردني في بغداد لاستجوابه وإبلاغه بالاحتجاج.
لكنه احتجاج واهم في كل الأحوال، ولا معنى له في الأساس، ولم يسبق لحزب الدعوة العراقي الذي يزور بعض قادته ورموزه عمان بين الحين والآخر أن اعترض على وجود حزب مرخص بالأردن يحمل اسم البعث العربي الاشتراكي.

اجتثاث «البعث»؟!

والوقائع تقول إن حزب البعث الأردني الذي ظهر اسمه بين 27 حزباً نجحت في تصويب أوضاعها وفقاً لتعديلات قانون الأحزاب الجديد، موجود في الخارطة أصلاً لا بل نشط وحيوي طوال الوقت، وقد كان موجوداً في أيام عهد الرئيس الراحل صدام حسين. وبقي موجوداً في كل السنوات التي أعقبت رحيل أو إعدام الشهيد الرئيس صدام حسين.
وطوال تلك الفترة، لم يعترض العراقيون المؤمنون باجتثاث حزب البعث، الأمر الذي يثير الشبهات حول توقيت دعوات نشطاء حزب الدعوة اليوم والخلفية والأسباب المرتبطة بذلك التوقيت، حيث العلاقات الأردنية مع إيران في أحوال أفضل اليوم، وعمان في طريقها لتسمية وإرسال سفير إلى طهران.
ويبدو أن جناحاً في طبقة الحكم العراقية النافذة في البرلمان وغيره لا يريد تقديم أي مساندة، لا بل تريد إعاقة التفاهمات الاستراتيجية التي حصلت مؤخراً بين الحكومة الأردنية وحكومة الرئيس محمد شياع السوداني.
ويعني ذلك أن الشغب بذريعة وجود حزب للبعث تم ترخيصه حديثاً في عمان وهو في كل حال” كذبة كبيرة” لأن حزب البعث مرخص أصلاً منذ عام 1990، هو شغب مقصود ومبرمج.
لذا، الاشتباه واضح بأن أجندة سياسية وراء التركيز في التوقيت على مثل هذا الموضوع.
وهي على الأرجح أجندة موجهة في إطار حسابات داخلية عراقية لحكومة شياع السوداني، وليس لحزب البعث أو للحكومة الأردنية.
وبناء عليه، علق حزب البعث العربي الاشتراكي الأردني في أجندة تخاصمات وتصفية حسابات بين أركان البيت الشيعي العراقي نفسه، لأن الاتصالات مع حكومة السوداني أردنياً تطورت إلى مستويات غير مسبوقة، ولأن أموالاً قد خصصت -كما أبلغ نائب رئيس الوزراء العراقي الدكتور محمد علي تميم شخصياً “القدس العربي”- للمرحلة الأولى من مشاريع مشتركة، ولأن بغداد أعلنت قبل يومين فقط عن وضع المخططات الهندسية لإقامة مدينة اقتصادية حرة على الحدود بين البلدين. والفكرة هنا أن الجانب المتعقل والحكيم في عمان يدرك بأن الإثارة التي صنعها حزب الدعوة العراقي مردها حسابات مرتبطة بقادة الحزب وبحكومة السوداني ومرحلة السوداني نفسه. وقد لا تكون لها علاقة حقيقية بتصويب حزب البعث لأوضاعه القانونية في الأردن ولا حتى بالأردن نفسه.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading