الأردن: وصفات «أمريكية» في «الانتخاب» تنضم إلى متحف «الشبهات» وتحذيرات من «لعبة الإقصاء» المعاكس
قد لا تبدو أي ترتيبات خاصة «غامضة» عشية تحضيرات الانتخابات البرلمانية المقبلة في الأردن مريحة أو مكتسبة للشرعية إذا ما كان الهدف منها العبث في ولاء الناس والعودة لمسلسل تصنيفهم ثم معالجة مظاهر الإقصاء والتهميش بواسطة إقصاء وتهميش أيضاً باتجاه معاكس.
لا يحتاج الواقع الأردني اليوم وفي ظل المتغير الإقليمي والأجندة الاقتصادية والمالية الضاغطة إلا إلى عملية إصلاح سياسي نظيفة وخالية من الشوائب وغير خاضعة، كما يقدر الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، إلا لمعيار العدالة والنزاهة في سياق دولة القانون وحكم المؤسسات.
وهنا أي تماس مع أفكار وصياغات مستحدثة لها علاقة بالنظام الانتخابي المأمول أردنياً ستنضم، حتى وإن كان هدفها المعلن العدالة والتغيير والإصلاح، إلى متحف «الشبهات» إذا ما صدرت تحديداً عن السفارة الأمريكية في عمان العاصمة. بعض السفارات الغربية تسمح لنفسها اليوم بتدخل لا يمكنه أن يكون بريئاً ولخدمة مصالح الأردنيين له علاقة بملف قانون الانتخاب.
حراك يحتاط لمشاريع «تصدير» الأزمة شرقي النهر وسفارات غربية تنشط
الصورة هنا تبدو لعوباً تماماً ومغرضة زمنياً وتضمر أو قد تضمر خلافاً لما تبطن؛ لأن التوقيت اليوم حساس، ولأن الإجراء الأصح كان ينبغي أن يتخذ أصلاً في التوقيت الصحيح، أي قبل سنوات عدة وقبل تحول القضية الفلسطينية والداخل الأردني معها إلى هدف مركزي لليمين الحاكم في الولايات المتحدة وإسرائيل تحت ستار تصفية القضية الفلسطينية.
تلك تصفية، في رأي رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، ناشطة وتعمل الآن، ولن تكون إلا في الاتجاه المضاد لمصالح الدولة والشعب في الأردن، ما يستوجب التحذير الشديد.
أطلق المصري، كغيره من قادة الرأي العام، تحذيراً علنياً من سياسات التهجير والإقصاء تحت شعار السلام الاقتصادي وحسم عدم ولادة دولة فلسطينية وعلى أساس المخاطر تتصدر إلى شرق نهر الأردن، وكذلك مظاهر القلق. ينتقل المصري وآخرون في تركيبة التمثيل المكوناتي للمجتمع الأردني اليوم من سلم أولويات مختلف على مقدار التحدي.
والانطباع يتشكل أكثر في عمق رموز ونخب المكون الفلسطيني في الأردن بأن أي أجندة لها علاقة بإعادة تصنيف وتسمية الاعتبارات الوطنية ضمن مشروع تسوية وتصفية القضية الفلسطينية ستكون مريبة وحمالة أوجه بكل الأحوال، مهما ارتدت من أثواب العفة والطهارة وادعاءات الإصلاح السياسي والتمثيل المنصف لخارطة القوى في المجتمع الأردني.
بالتوازي مع أفكار تروجها السفارات وتنشط بعض اللوبيات باتجاهها، ثمة نمو واضح في الفكرة العقلانية الراشدة التي تقدر بأن الغرق في مستنقع الجدل المكوناتي اليوم لا يمكنه أن يمثل أولوية وطنية حتى عندما يتعلق الأمر بدعوات زيادة التمثيل الفلسطيني في السلطة التشريعية أو بدعوات المحاصصة أو بما كان يسمى بنقص المزايا والحقوق.
الشارع الفلسطيني في الأردن يبدو منتبهاً أكثر لتراتبية زمنية جارحة تحاول اليوم إعادة تسويق وتزويق مطالب قديمة، وفي وقت غير ملائم تنشغل فيه الماكنتان الأمريكية والإسرائيلية بتصفية القضية الفلسطينية وبتصدير الأزمة إلى شرق نهر الأردن، وهو جهد عدائي ومخاصم للشعبين الأردني والفلسطيني لا يمكن الرد عليه إلا بتشكيل كتلة اجتماعية شعبية صلبة وحرجة تمثل مضمون ما درج على تسميته الفنان الأردني المسيس خلدون الداود بحراك «أبناء نهر الأردن».
ويبدو هنا أن بعض الاجتهادات في المستوى الدبلوماسي الغربي وفي بعض مستويات الوظيفة الأردنية تحاول إظهار الحماسة لأفكار معلبة تعزف على أوتار توقيتات مناسبة لتجنب ضغط صفقة القرن وتوابعها مرحلياً.
وهو عزف أصبح ظرفياً في غير مكانه ومحله، وترتاب به حتى أوساط المخيمات الفلسطينية في الأردن، ويمكن بطبيعة الحال تأجيله إلى مراحل لاحقة بدلاً من السماح لنغمات من هذا النوع بالمزاحمة في توقيت حساس.
غالبية القوى الاجتماعية تدعم الإصلاح في الأردن والعدالة ومنهجية المواطنة. لكن الغالبية نفسها لا تريد إنصافاً لشريحة في المجتمع على حساب شريحة أخرى، حيث مراهقون ومغامرون يعبثون بهذا الخط الأحمر الشعبي اليوم، وحيث إصرار في أوساط المكون الفلسطيني ومعه الوطني الأردني على أن معالجة الإقصاء والتهميش بواسطة القانون فقط وليس بواسطة ممارسة الإقصاء ضد أبناء الحركة الوطنية الأردنية لتبرير معالجة إقصاء قديم. هذه لعبة سياسية متذاكية من الصعب أن يقبلها الأردني المسيس والوطني. وهي لعبة محفوفة بالمخاطر والتأزيم، لأن العدالة والإنصاف مسطرة قانونية وينبغي أن تعزل في إطار منهجية دولة المؤسسات عن المناقلات المراهقة والمتسرعة باسم المحاصصة مرة وتصويب الأخطاء مرات.