الأردن: وصفة “الجباية الضريبية” تموت لكن “الطاقم” نفسه في الحكومة والبرلمان
لا يوجد سياسيا ما يوحي بأن مخاطر “صفقة القرن” الشهيرة انتهت تماما
لا تبدو تركيبة سيئة سياسيا وتشريعيا في كل الأحوال، لكنها تمثل الطاقم التشريعي نفسه الذي مرر قانون الضريبة الجديد والمثير للجدل العام الماضي لصالح الحكومة.
الحديث عن هيكل لجان التشريع الجديدة في البرلمان الأردني يثير الكثير من الشجون السياسية والبرلمانية خصوصا وأن رؤساء لجان عبر في عهدهم في الدورة العادية الماضية قانون التصعيد الضريبي وندد بهم الشارع وخطب مطالبا برحيلهم الحراك الشعبي، لم يصدر عنهم أي تعليق على مجريات الأحداث عندما قررت الحكومة وبكل اللهجات إخفاق البرنامج نفسه والتحول عنه باتجاه التحفيز والنمو الاقتصادي و”التشغيل”.
كل السنة الحكومة الحالية عبرت وبعدة مناسبات عن فشل برنامج التصعيد الضريبي، فقد انتهى بانكماش الأسواق المحلية والحق ضررا بالغا في حركة التجارة وفقا لرئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، أحد أبرز اللاعبين المتحفظين مبكرا على الوصفة الضريبية التصعيدية التي تقررت أصلا وسقطت بسببها حكومة الرئيس هاني الملقي باعتبارها الدرب اليتيم لتأهيل المملكة للاقتراض من المؤسسات والدول.
عمليا كان نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور رجائي المعشر أول من نعى عمليا وصفة التصعيد الضريبي عندما قال علنا إن بعض القراءات يمكن ان تخطئ مهما كانت الجهات الدارسة دقيقة ولديها قدرة على التحليل.
لاحقا أقر وزير المالية الأسبق عز الدين كناكريه بأن التصعيد الضريبي انتهى بانكماش وتراجع في واردات الخزينة قبل ان يتسبب الإخفاق في استقالة الوزير نفسه ومغادرة الحكومة في سياق ترتيب للعمل بمؤسسة مالية يملكها ويديرها كما يقال في القطاع الخاص المعشر أيضا.
وزير التخطيط الأسبق الدكتور محمد العسعس أصبح وزيرا للمالية ورئيسا للطاقم الاقتصادي بعدما أعلن فصاحة من جهته بأن التحول أصبح ضروريا عن برنامج “الجباية الضريبية” باتجاه وصفة خاصة لتحفيز النمو الاقتصادي وإنتاج فرص عمل وتنشيط القطاع الخاص.
مبكرا وقبل التعديل الوزاري الأخير واستئناف الدورة البرلمانية الأخيرة الحالية، أبلغ الوزير العسعس “القدس العربي” خطته ورؤيته التي وضعها بين يدي قيادة صندوق النقد الدولي وعلى أساس سقوط تقنية “الجباية الضريبية” وعدم صلاحها.
آنذاك أصر العسعس على أن الحكومة لديها “وصفة وطنية” وستفعل ما تراه مناسبا وبعيدا عن صندوق النقد والمؤسسات الدولية إذا أخفقت في تفهم الظروف والاعتبارات.
في كل حال سقطت وصفات التصعيد الضريبي في إنجاز تقدم حقيقي على مستوى واردات الخزينة.
وحاول كناكريه مخفقا من جهته، اتهام السجائر المهربة والسيجارة الإلكترونية والسيارات الكهربائية.
لكن هذه الاتهامات لم تكن مقنعة، وأصر كثيرون على تذكير الحكومة بما سبق أن حذر منه النائب المخضرم والخبير خليل عطية في حديث لـ”القدس العربي” اعتبر فيه أن أقرب وصفة لانكماش الأسواق والتأثير سلبا على واردات الخزينة هي تلك التي اقترحتها ضريبيا وزارة الملقي وورثتها وزارة الرئيس عمر الرزاز الذي لجأ بدوره لاحقا لإقناع الأردنيين بأن أولوية الحكومة هي “تشغيلهم” ثم أعلن عن حزمة تسهيلات للمستثمرين على أمل خلق فرص عمل.
سياسيا الانتظار يطول ويتواصل على ايقاع استثمارات سعودية موعودة لا يوجد ما يوحي أنها في الطريق فعلا والسفير السعودي الأسبق المعني بمتابعة الملف، الأمير خالد بن فيصل رحل عن منصبه في الأردن بدون أي إشارة لإكمال مشاورات تعالج مشكلة الاستثمارات السعودية كان قد ناقشها مع رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز.
وسياسيا أيضا يبدو أن الإدارة الأمريكية الحليفة لعمان ترفض زيادة مقدار المساعدات ولا تقدم شيئا ملموسا لدعم الاستثمار في الأردن وتوفير “مال” تجنبا لأمراض وأعراض أزمة اقتصادية حادة جدا.
وأيضا سياسيا لا يوجد ما هو جديد في استثمارات كويتية محتملة والاندفاع القطري لمساعدة الأردن اقتصاديا يبدو أنه يتأثر بالتردد الأردني وبأجندات سعودية وإماراتية ضاغطة.
بمعنى آخر لا يوجد سياسيا ما يوحي بأن مخاطر “صفقة القرن” الشهيرة انتهت تماما.
ولا يوجد ما يوحي بأن الأردن يتأهل لصفقة سياسية شاملة تنتشل اقتصاده المتراجع من مخاطر ومزالق محتملة وكل ما في جعبة حكومة الرزاز اليوم مجرد محاولات لـ”تحريك” مستثمرين محليين مترددين بقطاعات مرسومة على أمل إحداث فارق والإفلات مما يحذر منه خبير كبير في إدارة الاقتصاد من وزن الوزير الأسبق الدكتور محمد حلايقة حيث نقص إضافي محتمل في واردات الخزينة وحزمة تسهيلات معقولة وقد تكون مفيدة ووقوف على محطة “انتظار قروض محتملة”.
وثمة ما يزيد العبء في الاضطرار لاحقا لتجنب عجز الميزانية المالية الإضافي برفع أسعار الكهرباء والماء مجددا.
المثير جدا في المسألة أن اللجان المختصة والأساسية في مطبخ البرلمان هي نفسها من حيث الرئاسات ولم تدخل إليها عناصر جديدة خارج سياق التمرير والتبرير.