الأردن يعتزل ثقافة «الإنكار»: «البلاد ليست في الاتجاه الصحيح».. عبارة ترددها لأول مرة «مؤسسات رسمية»
63% يتحدثون عن الاتجاه الخاطئ و49% لا يثقون بقدرات حكومة الرزاز
تعبر نتائج الاستطلاع المعلن، الثلاثاء، في أم الجامعات الأردنية عن شفافية أكثر في قراءة المشهد الداخلي موضوعياً، حيث لا مفاجآت في نمو المخاوف والهواجس من المستقبل في المملكة.
وفقاً لنتائج الاستطلاع الموسع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فقد اعتبر 63% من المستطلعين ضمن منهجية استطلاع علمية بأن الأمور في المملكة لا تسير في الاتجاه الصحيح.
عملياً، بدا فارقاً أن نتائج الاستطلاع تحاول تقييم أداء حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
ورغم أن هذا الاستطلاع موسمي بطبيعته ويجرى دورياً في عهد كل الحكومات، إلا أن الخبر الرسمي الذي أعلن الأرقام والحيثيات استخدم ولأول مرة عبارة تقول بأن «الأمور في المملكة تسير بشكل خاطئ»، كما ورد في الخبر الذي نشرته صحيفة «عمون» الإلكترونية الإخبارية.
وعادةً لا تستخدم مفردة المملكة في مثل هذا الاستطلاع، والحديث دوماً عن الحكومات وأدائها. وبكل حال، يقرر 63% من العينة الوطنية، وبعد عام ونصف على تشكيل حكومة الرئيس الرزاز، بأن الأمور عموماً تسير في الاتجاه الخاطئ.
وعندما طلب من المشاركين في العينة التأشير على الأسباب، تم التحدث عن الفساد والبطالة وارتفاع الأسعار والفقر والواسطة والمحسوبية في هذا السياق.
وفي كل حال، أشار الاستطلاع أيضاً إلى أن 49% من الأردنيين يعتبرون حكومة الرزاز نفسها غير قادرة على أداء مهامها. تلك حيثية رقمية قد تكون مفاجأة للحكومة، لأنها تعلن أنها تعمل على مشروع نهضة وطني وعلى خطط هيكلية للإصلاح الإداري وتطوير خدمات القطاع العام. وأيضاً لأن حكومة الرزاز موصوفة بأنها حكومة الدوار الرابع التي حظيت بشعبية جارفة قبل أكثر من عام ونصف في الشارع بعد اعتصامات شهيرة أسقطت وقتها حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي.
ويعتقد في السياق الرقمي ودلالاته السياسية أن هذه الحيثيات والبيانات من الجهة الأهم المعتمدة في الدولة على صعيد الاستطلاعات العامة، ومن جهة جامعة حكومية تأطير وتمهيد لشيء ما.
عملياً، تصلح الأرقام والحيثيات لتدشين مرحلة جديدة من توقعات تتحدث عن رحيل قريب للحكومة ضمن عدة سيناريوهات، وعن اقتراب الرزاز مع نهاية الربيع الحالي من السقف الزمني الذي وضعه هو لبقاء حكومته وأمام «القدس العربي» مرتين، وهو عامان على الأكثر، مع أن بعض الأوساط الوزارية خططت لتمديد البرلمان والبقاء لفترة أطول.
في كل حال، يسبق هذا الحديث العميق والرقمي عن سير الأمور في اتجاه خاطئ على مستوى الإدارة العامة حالة الترقب لصدور تقرير علمي ومنهجي عميق من النوع المتعوب عليه بعد سلسلة حوارات مع الخبراء باسم تقرير حالة البلاد رقم 2، حيث كان تقرير حالة البلاد الأول العام الماضي قد وصل إلى تشخيص عميق وجريء بخصوص تراجع مستوى الأداء على مستوى الدولة وليس الحكومة فقط.
تقرير حالة البلاد في نسخته الثانية، وفقاً لمعلومات «القدس العربي»، قد يصدر خلال أيام فقط، في محاولة أعمق لتشخيص الواقع من قبل جهة رسمية أيضاً تتبع رئاسة الوزراء وتتمتع الآن منذ عام ونصف العام بقدر من المصداقية، هي المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
عملياً، في عمق المشهد نفسه، وإلى أن يصدر تقرير حالة البلاد في نسخته الثانية، تبدو حيثيات وأرقام استطلاع الجامعة الأردنية دليلاً إضافياً على جمود حالة الإنكار وعدم وجود مصاعب في التشخيص بعد الآن وطنياً، حيث إن التقييمات التي تتحدث عن تراجع واتجاهات خاطئة في إدارة مؤسسات كبيرة لا تصدر هذه المرة عن المعارضة أو عن أجندات الإخوان المسلمين أو حتى عن نشطاء الحراك الشعبي.
ولا تصدر أيضاً، بالتوازي، عن المعارضة الخارجية على قلتها وضعف مصداقيتها وبؤس إنتاجها المتمثل بسلسلة من أشرطة الفيديو المصورة التي تنهش وتفبرك أكثر مما تقدم معطيات حقيقية للجمهور.
تلك تقييمات ودراسات تصدر في الحقيقة عن مؤسسات داخل الدولة، وتمثل الأذرع التي تحاول النصيحة والتشخيص، سواء عندما يتعلق الأمر بمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أو عندما يتعلق لاحقاً بما يمكن أن يتضمنه تقرير يتوقع أن يكون جريئاً باسم حالة البلاد لاحقاً.
يترافق، طبعاً، كل ذلك مع صعوبة إنكار المشكلات بالتشخيص وصمت طبقة المثقفين ورجال الدولة، وسلسلة اجتماعات في القصر الملكي والحكومة والمؤسسات السيادية بدأت تقر بحصول الأخطاء في السياسات والمنهجيات وليس في الإجراءات فقط، سواء على صعيد ملف الإعلام، أو على صعيد ملف السياسة المالية للدولة، كما فهمت «القدس العربي» من وزير المالية الجريء محمد العسعس، أو حتى على صعيد خطة الإصلاح الاقتصادي الجديدة التي فرضت نفسها بعد مبادرة احتواء ملكية لا تقل جرأة عن سقف التعاطي مع الواقع كما هو.
وبهذا المعنى، بدأ الأردن في تجميد الإنكار وميكانيزماته، القرار أيضاً بالتشخيص الحقيقي وفي اتجاهات عدة. وهي بداية قد تساعد، إذا ما نضجت واكتملت، في إعفاء الرأي العام على الأقل من فكرة إنقاذ الوطن التي يركب موجتها الآن مناكفون أو انتهازيون، أو وطنيون شرفاء يبحثون عن حلول، أو هؤلاء الذين يتقمصون دور المعارضة ويزعمون تمثيل الناس.