الحالة الأردنية: تحية لمعلمي… «الشيوعي»
لا يمكن لشريحة اجتماعية ضخمة تمثل كل المكونات والأطياف في المجتمع أن تستهدف «أمنيا» ويساء لها بكل هذه البساطة دون ردة فعل حكيمة وعاقلة من الدولة ومؤسساتها تسعى لقدر من الإنصاف
ليس من مصلحة أحد لا في السلطة ولا في الشارع استسهال عملية «التجريف الوطني» عبر الإساءة لصورة وهيبة «المعلم» الأردني وبتقنية بائسة قوامها «شيطنته» والإدعاء بأنه يتحرك مطالبا بتحسين معيشته وفقا لأجندة سياسية وأحيانا «أخوانية».
المجازفة بتحويل المعلم الفرد إلى «عدو محتمل» للدولة ليست سوى مغامرة مراهقة قد لا تدفع الحكومة والمؤسسة ثمنها إلا على المدى الطويل خصوصا وأن الحكومة وضعت عجينا لا معنى له في أذنيها وهي تتجاهل تقديم أي «اعتذار أو حتى توضيح» يساعد المعلم في استعادة كرامته التي هدرت فعلا وبأسلوب غير حكيم.
لا يمكن لشريحة اجتماعية ضخمة تمثل كل المكونات والأطياف في المجتمع أن تستهدف «أمنيا» ويساء لها بكل هذه البساطة دون ردة فعل حكيمة وعاقلة من الدولة ومؤسساتها تسعى لقدر من الإنصاف هنا وتحاول تطهير التلوث الذي تسبب به الذهن الأمني في لحظة انفعال.
الحال الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي لرجل الأمن والعسكري ليس أفضل من المعلم بل اسوأ منه في بعض الأحيان.
ونتفق مع القول بأن صناعة مترادفات بين الأردنيين لأغراض العبور من مرحلة أزمة اقتصادية ومنع أي تنظيم سياسي من الاستغلال والاستثمار في مسألة المعلمين واحد من أغبى الخطوات وأقصرها نظرا وتساهم في سحب ما تبقى من رصيد للنظام والدولة في ذهن الناس الجماعي. المجازفة بمواجهة وصدام بين فئات المجتمع الأقل حظا والأقل راتبا ودخلا قد تنتهي بأن تتلاقى هذه الفئات والشرائح في منطقة سيكون من الصعب العبور منها، الأمر الذي يثبت بأن طريقة التعامل مع مطلبية المعلمين الأردنيين كان ينبغي أن تتميز بالحكمة ولو بأثر رجعي وحتى لو كان أي تعبير سياسي يحاول جر نقابة المعلمين إلى ساحته وأجندته.
لا يفاجئني كمواطن أردني الحديث عن وجود «إخوان مسلمين» في الهيئة العامة لنقابة المعلمين فالأخ المسلم الأردني من عناوين الاستقرار الاجتماعي ومن حقه أن يصبح معلما وإذا كان الصف الإخواني منظما وقادرا على إقناع المعلمين في انتخابات نقابية فالأجدى أن تلوم نفسها بقية التيارات السياسية البائسة التي تنتحل اسم القومية واليسار والوسطية والتي أخفقت في التواجد وسط شريحة ضخمة من المعلمين.
التجربة حتى على لسان مسؤولين كثر ووزراء قابلتهم شخصيا تتحدث عن «احتراف ومهنية» عند الأخ المسلم في شريحة المعلم مع أن بعض أقلام التدخل السريع بالغت في الحديث عن تغلغل الإخوان في صفوف نقابة المعلمين.
لا يقلقني شخصيا الانتماء السياسي لأي معلم ما دام مهنيا ومحترفا ويقوم بواجبه. وأحد أخطر وأهم أساتذة المدرسة المبكرة الذين أثروا بي شخصيا وبجميع افراد عائلتي بالطفولة إنتخب مؤخرا أمينا عاما للحزب الشيوعي الأردني وقد تجاوز ـ أطال الله في عمره ـ السبعين من عمره.
ونكن له كعائلة كل الاحترام والتقدير ونذكره بالخير ونعترف بفضله وأثره رغم أن حارة برمتها كان يتولاها بدروس خصوصية مجانية أو بأجر رمزي لم يصبح شيوعيا ولو أي فرد فيها من تلاميذه.
معلمي الشيوعي والقطب المهم في عالم التدريس تنحت شيوعيته عندما مارس مهنته والعديد من تلاميذه الذين أعرفهم شخصيا إنضموا لاحقا للأخوان المسلمين وبعضهم تقلد مناصب رفيعة وأصبح جزءا من الدولة أو موظفا أمنيا فيها ودون أي أثر أيضا للشيوعية في الحكاية.
وأعرف وتعرف الدولة بأن معلما محددا تدين له أجيال في عمان الغربية عندما يتعلق الأمر بعلم الرياضيات أقرب إلى التدين وسلوكه الشخصي والعائلي متدين وإسلامي لكن تلامذته في جزء كبير منهم من خيرة أخوتنا المسيحيين اليوم والنور الذي بثه في فضاء عمان وأهلها ظلل الجميع.
المعلم الأردني صاحب فضل أفقي على الجميع وبصرف النظر عن هويته السياسية لا يستحق التعامل معه بالهراوة او بالغاز أو بخشونة أمنية مع أن المستوى السياسي في الحكومة قرر ولأسباب لا تزال مجهولة تجاهل قضيته طوال أشهر وأسابيع قبل أن نرى مشاهد مؤلمة في الشارع في مطاردة المعلمين أو في الغرف الفارغة بعد الاضراب.
لا يمكن إدانة معلم أردني لأنه متأثر بالإخوان المسلمين فهذه الجماعة موجودة وستبقى كركن أساسي في المجتمع لا يمكن إقصاؤه سواء بقيت تحمل رخصة حكومية أم انقلب عليها القوم وسواء كان لها مقر أو لم يكن.
أفضل معلم إنكليزية قابلته في حياتي المدرسية ينتمي للتيار الماركسي ولإحدى العائلات الشريفة من مدينة الكرك ومن زرع في قلمي الحرف الأول معلما مبدعا من إحدى قرى نابلس واستاذ التاريخ بقي عضوا فاعلا في جماعة الإخوان المسلمين دون أن نشعر وهو يقرأ لنا النصوص عن الثورة العربية الكبرى بدون أي تأثير سلبي له على السرد.
المهنية هي المعيار في أداء المعلم وفضله على الجميع ولا يحق لأحد خصوصا من أبناء البارات والرشوات وصغار المخبرين أن يزاود عليه أو يتهمه، بصرف النظر عن إنتمائه الفكري او إتجاهه السياسي.
نعم نقولها بصراحة يستحق المعلم الأردني علاوة وتحسين ظروفه و ثمة تعبيرات لم تكن موفقة من بعض المعلمين وقادتهم لكن التعامل الأمني لم يكن حكيما.