الدولة الأردنية… «أما أعدائي فأنا كفيل بهم»
مع كل هذا الخمول والاجتهادات التي ترفع من قيمة الرداءة ولا تؤمن بالتقييم والمراجعة لا تحتاج الدولة الأردنية اطلاقا لخصوم لأن أدواتها وحلفاءها هنا يتكفلون بـالإساءة لأي مشروع
لا أحد يعلم أين اختفى 81 إعلاميا وصحافيا وباحثا ومحللا دفعة واحدة نظمت لهم لقاءات مكثفة بالقصر الملكي الأردني قبل عدة أسابيع عن المشهد الحالي.
لا يتعلق الأمر بتأييد أو مساندة أي موقف رسمي للسلطات تجاه أي قضية بقدر ما يتعلق بطاقم من الموظفين والاستشاريين استثمروا في لحظة بيروقراطية بترتيب علاقاتهم واتصالاتهم الشخصية فقط على حساب المصلحة والموضوع عند انتقاء قائمة من المحظيين بلقاءات وحوارات خاصة حتى مع مؤسسة من وزن الديوان الملكي.
مع وجود كمية كبيرة من تجاهل الاحتراف والمهنية، ومنصات تواصل اجتماعي منفلتة تتصرف في كل صغيرة وكبيرة وكأنها محكمة، ومع وجود حلقات استشارية أو وظيفية متكلسة وشخصانية أو شللية.
ومع وجود تحالف يعرفه الجميع في الدولة والمجتمع بين الموظف والبرلماني والإعلامي «الرديء» بصيغة تعلي من شأن الرداءة في كل رسالة لا يمكن توقع تشكيلة أو تكوين ذراع إعلامي صادق ومؤثر ينقل الرواية الرسمية بكفاءة وحسب الاصول الى مفاصل المجتمع.
مع كل هذا الخمول والتكلس والاجتهادات التي ترفع من قيمة الرداءة ولا تؤمن بالتقييم والمراجعة لا تحتاج الدولة الأردنية اطلاقا لخصوم لأن أدواتها وحلفاءها والمحسوبين عليها هنا يتكفلون بـالإساءة لأي مشروع أو قرار أو اتجاه نبيل كما يتكفلون بـنمو الرواية المضادة سواء كانت تلقائية وانفعالية أو غير علمية أو حتى كانت شخصانية أو مؤدلجة أو أجنداتية.
لا تجد رواية الصف الرسمي الأردني حلفاء حقيقيين في المستوى الإعلامي المهني خلافا لأنها بالعادة لا تجد من يشتريها أو يصدقها في صفوف الجماهير.
لا أحد عندما يتعلق الأمر برواية الحكاية الأردنية يراجع أو يراقب أحدا. ولا أحد يقدم أدلة عملية أن الفلاتر التي تعمل مع مؤسسات سيادية أو بيروقراطية أو حتى أمنية تقوم بواجبها فعلا لصالح ثوابت الدولة وخطاب المرجعيات لأن العملية هنا عشوائية وبالقطعة وتستند إلى الارتجال حتى وصل الأمر إلى أن رأس الدولة ورمزها التقى عشرات المعنيين بالقصة الإعلامية دون أن تنتقل للناس أو حتى للبشر في العالم أي رسالة ذات قيمة تشرح الأردن أو تتحدث عن مشكلاته أو تساهم في تسويق منجزه أو منتجه أو ترويج موقفه.
ذلك العبث أصبح عبئا ليس على المؤسسات المرجعية فقط. ولكن أيضا على الدولة وانحيازاتها وبوصلتها في وضع مربك جدا يزيد من عمق الأزمات ويدفع حتى المفردات المرجعية للتحدث عن استعصاء في سلسلة اشارات تكرس القناعة مجددا بأن أزمة الأدوات مستفحلة وأصبحت خطيرة جدا على البلاد قبل العباد وعلى مصالح الدولة قبل مشاريع الناس.
بكل حال ثمة خلف ستارة القرار من يروج لهذه الرداءة ويحاول اعتبارها مطرا غزيرا في الانتاجية ضد السلبية وتلك طبعا محاولة لوضع بعض المكياجات على فشل ذريع واخفاق مؤكد لا يريد القوم الاعتراف به.
مؤخرا رصدنا معا ما يؤكد مرارة الحقيقية حينما واجهت الدولة حالة حراك المعلمين التي تريد الاستثمار في واقع الأزمة المالية. طوال شهر استمرت أزمة المعلم الأردني وكان للحكومة والسلطة رواية. وطوال شهر رصدت أجندات تخوين المعلمين والإساءة إليهم من قبل خمسة أقلام فقط ضمن فرقة التدخل السريع.
مشهد ينبغي أن يقرأ بعناية من صاحب القرار لأن الدولة بثقلها وأدواتها وماكيناتها عندما دخلت في اختبار المعلمين لن تجد من يحمل رايتها إلا عضوين أو ثلاثة من أعضاء مجلس النواب ومجموعة قليلة جدا من منتحلي صفة الإعلام والصحافة قررت الاشتباك لصالح رواية الحكومة.
النتائج كانت كارثية بامتياز فقد ساهم هؤلاء بصورة فعالة في انتاج حاضنة اجتماعية أعرض لصالح المعلمين وسقطت كل تلك الروايات البائسة وبسرعة عجيبة خصوصا التي حاولت أخونة أو شيطنة حراك المعلمين.
للأسف لم يقتصر الأمر هنا على نتائج عكس المطلوب لما حاولت السلطة الوصول إليه بل تم تسليم قوى الشعب الأردني مادة دسمة ليس لإثارة الاحتقان فقط ولكن للتجنيد والاستقطاب أكثر نتجت عن جبهة متهالكة ضعيفة غير مقنعة حاولت مساعدة الحكومة فألقت بها أكثر في بحر النقد ومحيط الشكوى.
بعيدا عن المبالغة والتهويل هنا أو عن التقميش والتقليص غير المنطقي يمكن القول إن صانع القرار المركزي الأردني ينبغي أن يقرأ بعمق جلوس رواية السلطة في قضية المعلمين يتيمة للغاية ووحيدة في الساحة حتى أن مجموعة التدخل السريع تلك في البرلمان والصحافة دفعت المعلمين للتشدد والناس العاديين لمساندتهم.