الشارع الأردني يسأل النواب: ما العيب في وظيفة «سائق تاكسي»؟ وأعضاء برلمان يكشفون: نعتمد على رواتب الزوجة
الحكومة والنواب في «مواجهة» مع الأعيان في محطات عدة
يمتنع عضو مجلس النواب الأردني فضيل النهار عن تحديد مؤشرات العيب في أن يعمل عضو البرلمان سائقاً لتكسي بعد انتهاء ولايته الدستورية. قالها النهار وملأت منصات التواصل الاجتماعي.. مستنكراً أن يشتغل النائب بعد النيابة سائقاً لتكسي. انضم زملاء للنائب النهار بمقاربة مماثلة دفاعاً عن الامتياز الجديد الذي قرره نواب البرلمان الأردني لأنفسهم ضمن التشريع المعدل باسم مؤسسة الضمان الاجتماعي.
طبعاً، رصدت حالة واحدة منذ التحول الديمقراطي في البلاد عمل فيها برلماني سابق سائقاً لتكسي حتى لا يتحول إلى عالة على ناخبيه والمجتمع. عشرات الأردنيين ردوا على النائب النهار بسؤال استنكاري بالمقابل..»ما المعيب في مهنة سائق التكسي؟». على هامش الجدل، حول الامتياز الجديد ظهر نواب البرلمان الأردني بحالة انفعال ومصارحة مالية في عدة مشاهد، دفاعاً عن قرارهم التشريعي بشمولهم قسراً بمظلة الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يكلف الخزينة المزيد من الأعباء المالية.
أحد النواب صاح أمام الكاميرات منفعلاً وهو يتحدث عن تأمينات حتى للعمالة المصرية. النائب حازم المجالي أعلن، بدوره، أن راتبه، وهو 3500 دينار، لا يكفيه، وأن زوجته يعتمد عليها في تقديم المساعدة، وأن المجاملات الاجتماعية تستهلك غالبية دخله. في غضون ذلك، ورغم أن كتلة الإصلاح الإسلامية عزلت نفسها عن الجدل وموقف النواب إلا أن وسائل تواصل نقلت عن قطبها صالح العرموطي القول بأن زوجته دفعت عنه رسوم الترشح للانتخابات.
هذا السباق بين النواب لإظهار ضعفهم المالي لا يعجب، بطبيعة الحال، الشارع والرأي العام، مع أن مجلس الأعيان رد التشريع المقترح بالخصوص على أساس أن النائب يستطيع الاشتراك في خيارات الضمان الاجتماعي اختيارياً بدلاً من تكليف الخزينة المزيد من الأموال. أصر مجلس النواب في المقابل على موقفه، وأعاد قرار مجلس الأعيان إليهم، فبدأت تلوح في الأفق ملامح أزمة تشريعية ودستورية قد تتطلب عقد جلسة مشتركة للخلاص من المأزق التشريعي الجديد.
الاتصالات على مستوى الدولة بدأت بكثافة خلال اليومين الماضيين لتجنب أزمة بين غرفتي التشريع حتى لا يقفز إلى الواجهة خيار من طراز حل البرلمان، في الوقت الذي أثار فيه النواب جدلاً عاصفا على أكثر من صعيد بسبب قرارهم بشمول أنفسهم بامتياز مالي خاص يثير الجدل ويعرض بصيغة تخالف مفاهيم الخدمة العامة. في الأثناء، يبدو أن التوتر بين مجلسي الأعيان والنواب يسبق عملياً جولة الخلاف الأخيرة حول قانون الضمان الاجتماعي.
هنا يمكن قراءة الموقف المنقول عن رئيس مجلس النواب، عاطف طراونة، عبر الإشارة إلى أن مجلس الأعيان، وفي أكثر من محطة، أعاد تعديلات وتشريعات دون مبرر وبصيغة تحاول إحراج النواب أو المزاودة عليهم. وجهة نظر الطراونة تقضي بأن الأعيان، وهم مجلس الملك، لا يبذلون الجهد الكافي في التعاطي مع شريكهم النيابي في التشريع، باعتبار مجلس النواب صانعاً للقرار التشريعي ومشرعاً فعلياً بموجب الدستور. ينتقد طراونة هنا محاولة الأعيان في عدة محطات تشريعية إظهار النواب بصورة لا تليق بهم، ملمحاً إلى غياب الشراكة التشريعية ومفاهيمها وإلى غياب التفاهم المألوف في الكواليس من جهة الأعيان عند بروز أي خلاف معهم.
نواب البرلمان بطبيعة الحال شغوفون إلى حد كبير بالمناكفة أحياناً. وحساباتهم السياسية لها علاقة بالضغط على الحكومة في مفاصل، ومخاطبة الشارع والبوصلة الانتخابية في مفاصل أخرى، خلافاً للأعيان، المرتاحين عملياً ويقومون بواجبهم بدون ضغط الشارع أو حسابات الانتخابات. حتى حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز تبدو مهتمة بتسويات داعمة لثقة النواب بها وقلقة في بعض الأحيان من مناكفات الأعيان لها في بعض المراحل.
ظهر ذلك جلياً مع وقوف نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر إلى جانب النواب ضد موقف الأعيان في مسألة الضمان الاجتماعي. وظهر عندما سمعت إحدى عضوات الأعيان وهي تحاول تذكير المعشر تحت القبة بأن أعضاء مجلس الأعيان لا مجال للمزاودة عليهم في مسألة الحرص على المصلحة الوطنية. وقبل كل ذلك، تستوعب الذاكرة القريبة آخر مواجهة حول المسار الاقتصادي للحكومة بين الرئيس الرزاز وعضو الأعيان نائل الكباريتي رئيس غرفة تجارة الأردن، الذي صدم الرزاز عندما قال في اجتماع رسمي إن القلق أصبح خوفاً على المجهول في المستقبل. هنا، هاجم الرزاز صديقه الكباريتي متهماً إياه بالسوداوية، وقال إنه لم يسمع خطاباً يجلد الذات إلى هذه الدرجة كما سمع من الكباريتي الذي يبدو أنه بالمقابل حاول لاحقاً ترقيع إفادته وتغيير بعض أقواله.