اراء و مقالات

هل «اجتهد» الأردن خارج النص في مسألة «الناتو الجديد»؟

عمان – «القدس العربي»: المعطيات والمعلومات الواردة من العاصمة الأمريكية واشنطن تشير بوضوح إلى أن الزيارة المرتقبة للرئيس جو بايدن للمنطقة على أساس اللقاء مع زعاماتها قد يكون لها علاقة مباشرة بإقامة سياق تحالفي جديد لا يرقى إلى مستوى حلف الناتو بالمعنى العسكري، لكنه يؤطر حالة جديده في ظل التحولات العالمية التي فرضتها إيقاعات الحرب الروسية على أوكرانيا ومستويات الخلافات والتجاذبات المتعاظمة مع الصين.في بالمقابل، وعندما يتعلق الأمر بالاحتياج العربي أولاً واحتياجات الأردن الأمنية ثانياً، يبدو أن الخارطة ضبابية بين الدول العربية نفسها في كل لحظة يحاول فيها الأردن بناء تصور مشترك باسم مجموعة الدول العربية أو النظام الرسمي العربي على أن يقدم بصفة جماعية على طاولة الرئيس الأمريكي عندما يحضر للمنطقة. وبعيداً عن اعتبارات أزمة الطاقة وارتفاع مستوى التضخم وأسعار المحروقات في الولايات المتحدة الأمريكية والمخاوف الناتجة عن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل في الكونغرس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، يمكن ببساطة بناء تصور يتحدث عن رغبة الإدارة الأمريكية في تأسيس حالة تعاون استراتيجية تضم دول الخليج العربي والأردن وإسرائيل ومصر، وإلى حد كبير دولاً أخرى مهمة في آسيا، من بينها الهند بصورة حصرية، بسبب الزحف الروسي والإمكانات والمساحات التي تحصل عليها موسكو في آسيا وفي ظل الغطاء الإيراني تحديداً.
في كل حال، خارطة الاتجاهات الأمريكية الاستراتيجية غير واضحة، الأمر الذي يفسر ضمنياً وعملياً اجتهاد النص الأردني قبل نحو ثلاثة أسابيع في الحديث عن ترحيب محتمل بفكرة تأسيس ناتو شرق أوسطي جديد، وهي نفسها الفكرة التي لم تتجاوز في الواقع حدود الترحيب أردنياً، وإن كانت أثارت الضجة ودفعت ضغوط الأمريكيين للإعلان عن أن هذا الموضوع على مستوى وزارة الدفاع البنتاغون لم يناقش. وهي ضجة لحق بها لاحقاً وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، مشيراً إلى أن موضوع الناتو العربي أو الناتو الشرق أوسطي لم يناقش بصفة رسمية ولم يتحدث عن أحد، معتبراً مجدداً بأن أولويات بلاده الإقليمية والدولية هي القضية الفلسطينية.
في كل حال، يحول الأمريكيون التعاطي مع ما يريدونه من أجندة عمل لقاءات بايدن في المنطقة بالقطعة والتقسيط وتسجيل مفاجآت والحرص على طهي بعض الطبخات السياسية والاستراتيجية، لا بل العسكرية أحياناً، حسب مصادر أردنية، بعيداً عن الأضواء. لكن عمان تلتقط الإشارات بصورة أوضح بكثير من أي إمكانيه لتجاهلها؛ ليس فقط بحكم الخبرة المتراكمة في التعاطي مع ملفات مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن بحكم الاحتياج للأمن الإقليمي الذي يعقبه احتياج اقتصادي يملي على الأردنيين مجدداً التعاطي والاشتباك بمسافة أمان محتملة مع أجندة قادمة غير واضحة يتم بناء تصورها على المعلومات الواردة لحكومة عمان من مقر السفارة الأردنية في واشنطن.
وهي معلومات تتحدث اليوم بوضوح وبصورة رمزية عن رغبة البيت الأبيض في ظل إدارة بايدن بتأسيس حالة اصطفاف استراتيجية قد لا تكون عسكرية الآن، لكنها سياسية الطابع في وجه النفوذ الروسي والإيراني أولاً، ثم المحاولات لزرع النفوذ على مستوى الصين، ثانياً، بين مجموعة الدول العربية ومنها الأردن ومصر، وبالتأكيد، دول النادي الخليجي مع دولة مثل الهند، وهو تعاون بدأت تتحدث عنه خلف الستارة والكواليس التقارير الواردة من العاصمة الأمريكية، ويعني ذلك بأن أجندة الأمن الإقليمي هي الأساس، وإسرائيل في الصورة، الأمر الذي يربك فعلياً السعي أو سعي دول عربية للتعاون مع الرئيس بايدن على نحو أو آخر، وهنا تتطلب مشاركة أردنية باعتبار الأردن من أقرب الدول العربية للإدارة الأمريكية بنسبة كبيرة، ولديه خبرة متراكمة في التعاطي مع مؤسساتها.
الحرص على خريطة طريق لما يمكن أن يقوله الأردن والعرب معاً للرئيس الأمريكي في لقاءات المنطقة المقبلة أو المقررة على الأرجح الأسبوع المقبل. طبعاً، الأردن لديه هنا تصور أمني، لكن لديه احتياجات اقتصادية وأمنية بالمقام الأول، وهو معني بإدامة الاتصالات في البعد الأمني مع المؤسسات في الكيان الإسرائيلي المحتل، بدون التفريط في الوقت نفسه بخيارات إقامة دولة فلسطينية، ولذلك تعتقد عمان بأن زيارة بايدن للمنطقة ينبغي ويجب أن تنتهي بتقديم شيء على صعيد عملية السلام والقضية الفلسطينية، وحصرياً للجانب الفلسطيني، حتى لا تستثمر في الفراغ دولة مثل إيران.
وفي المقابل، لدى الأردن مصالح أساسية وحيوية لا يستطيع تجاهلها في كل العراق وسورية، ولا يريد التورط في سياسة وفلسفة المناطق الأمنية المعزولة، لأن كلفتها السياسية والبشرية كبيرة على الحدود. وهذا يعني أن الأردن مهتم بأن يكون جزءاً حيوياً وفاعلاً في أي منظومة أمنية وعسكرية يقرر استراتيجيتها الأمريكيون في المنطقة، خصوصاً أن عدد القوات الأمريكية في الأردن يزيد، ويقام معسكر جديد لها بعد إقامة آخر في وقت سابق، وعمان مهتمة بهذا المعنى بأن تكون على طاولة الإقليم وفي أقرب مسافة ممكنة للاستراتيجية الأمنية الأمريكية بخصوص حلقات التعاون بين الدول الآسيوية ودول الشرق الأوسط.
دون ذلك لا يمكن قراءة البوصلة الأردنية خارج سياق ميزان المصالح من هذا النوع.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading