المجتمع الأردني يوفر «حاضنة» للمعلمين… وهتاف الزرقاء: «مات الخوف»
جرعات إضافية من «التسييس» وعبارات من وزن «طغمة الفساد» و«العبودية»
حتى منبر إلكتروني إعلامي تميز دوماً بالاحتراف مثل «عمان نت» اضطر إلى تقديم اعتذار علني من القراء بعد نقل تصريح مغلوط وغير دقيق عن الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزيرة جمانة غنيمات، له علاقة بمالية الدولة والخزينة.
الاضطراب ينمو ويتسع في الحالة الأردنية للأسبوع الثالث على التوالي، بسبب ما تنتجه أزمة المعلمين وإضرابهم من إحباط وتساؤلات. ورغم أن المنبر المشار إليه أوضح بأن مراسله نقل تصريحاً بصورة غير دقيقة وغير صحيحة عن الوزيرة غنيمات، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي استمرت، وبعد التصريح المغلوط لليوم الثاني على التوالي، وهي تناقش الوزيرة غنيمات بعبارة لم تصدر عنها حول احتمالية حصول انهيار مالي في الدولة إذا ما دفعت الحكومة العلاوة التي يطالب بها المعلمون. غنيمات تحدثت عن المقصود في السياق المالي مع «القدس العربي» وتحدث قبلها مسؤولين ووزراء في الحكومة. والأصل في تقدير الحكومة المالي هو أن خزينة الدولة قد لا تستطيع توفير مخصصات لرفع الرواتب لجميع القطاعات العامة إذا ما دفعت للمعلمين.
علناً، أملت الحكومة مرات عدة من نقابة المعلمين أن تتفهم ذلك.
لكن الرد بكل حال لا ينطوي على وجاهة التفهم، لأن الشعار الذي تطرحه البيئة الاجتماعية الحاضنة للمعلمين يتعلق ليس فقط باحترام مكانة المعلم ودوره، ولكن أيضاً بقناعة الرأي العام بوجود أموال منهوبة أو مفقودة أو مهدورة. وبكل حال، قرار حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز بخصوص أزمة المعلمين يتمأسس حول أرقام وحسابات مالية، أما النقابة فلا تؤمن بذلك ولا تجد أنها مضطرة للتعاطي معه أصلاً. ومع اقتراب إضراب المعلمين من أسبوعه الثالث، يستمر الاستعصاء وتبدو الاتجاهات مفتوحة على التصعيد ومن قبل الجهتين دون مبادرات حقيقية على الأرض للتعامل مع الواقع الموضوعي، فكل رسائل كبار المسؤولين للنقابة وغيرها وحتى للمواطن الأردني تتحدث عن عدم وجود مخصصات مالية لرفع الرواتب وعن وضع مالي صعب ومعقد لخزينة الدولة.
في الأثناء تنمو وتقفز تلك النغمة التي تعتبر خروج المعلمين للشارع خطوة ينبغي أن يحضنها المجتمع بكل شرائحه، ما منح القضية أصلاً زخماً كبيراً وسط الجمهور وفي الإعلام، زاد تماماً كلما استعانت السلطة ضد المعلمين وبيئتهم الحاضنة بأقلام قليلة استفزازية تهاجم بلا وعي وتتسبب باستقطاب مزيد من فئات المجتمع لصالح المعلمين.
حصل ذلك بعدما التفتت الحكومة حولها في أزمة علاوة المعلمين ولم تجد حليفاً حقيقياً مع مصداقية في مؤسسات الإعلام، الأمر الذي يعيد إنتاج الجدل بالتوازي حول طبيعة الأشخاص الذين تغذيهم المؤسسات الرسمية وبؤس إنتاجيتهم في الأزمات.
في كل حال، ظهر صوتان فارقان خلال الساعات القليلة الماضية لمنح إضراب المعلمين مساراً وطنياً وجرعة مضاعفة من «التسييس».
الصوت الأول للمفتي العام الأسبق للمملكة، الدكتور علي الفقير، وقد نقلت عنه منصات التواصل على مسؤوليتها فتوى شرعية تطالب الأردنيين بعدم إرسال أولادهم للمدارس، وتتحدث عن عدم جواز نصرة فئة فاسدة وضالة تهدر مقدرات الوطن على فئة محترمة وكريمة مثل المعلمين.
الصوت الآخر لمواطن أردني وناشط تداوله عبر التواصل العشرات، واسمه غالب الخريشة… الرجل بدا منفعلاً وهو يطالب الشعب الأردني بالالتفاف حول المعلم، متحدثاً عن ثورة وشيكة ضد العبودية، وعن تحويل الشعب إلى كومبارس، وعن تصدر المعلمين لمشهد الانعتاق من العبودية، كما قال، وعلى أساس أن هذه الشريحة من الموظفين البيروقراطيين هي التي تعلق الجرس اليوم باسم الشعب الأردني.
الأصوات التي تتعاطف مع المعلمين وتتفهم مطالبهم في العمق الاجتماعي أكبر من تلك التي تحاول في الاتجاه المعاكس، ووزارة التربية والتعليم أخفقت بوضوح، مساء السبت الماضي، رغم استنفار كل مديرياتها في كسر إضراب المعلمين، والموقف يزداد حرجاً وحساسية دون مبادرة من أي نوع في الأفق.
في المقابل، وظهر الإثنين، رسم المعلمون في مدينة الزرقاء، حيث الكثافة السكانية، لوحة منتظمة جداً في الاعتراض والاحتجاج ومليئة بالتسييس وهم يهتفون بكلمتين.. «مات الخوف».
في الزرقاء تجمع آلاف من المعلمين والمواطنين متمسكين بمطلب العلاوة والاعتذار والتحقـيق مع من أمـروا بالإسـاءة إلى كرامة المعـلم.
في مشهد الزرقاء نفسه أيضاً ظهر مجدداً وبعد غياب عن الواجهة لأسبوع على الأقل نائب نقيب المعلمين ناصر النواصرة، وسط أعضاء الهيئة العامة معلناً، خلال ما أسماه بالمهرجان، بأن الإضراب مستمر، واصفاً قمع اعتصام المعلمين قبل أكثر من أسبوعين بـ «الخميس الحزين».
جرعة التسييس في مداخلة النواصرة خلال مهرجان الزرقاء كانت أيضاً حاضرة وهو يقترح على رئيس الوزراء عمر الرزاز التنحي إذا كان غير قادر على تلبية مطالب المعلمين.
حاضنة حراك المعلمين الاجتماعية أصبحت عبئاً على المستويات الرسمية إذا ما حاولت الرد والمواجهة عبر مناورات بائسة بالمستوى الاجتماعي، وتثير الاستفزاز والاحـتقان بمسـتوى الأذرع الإعـلامية.