المعشر غضب وانسحب بعد قراءة السيرة الذاتية لوزيرين جديدين: آخر تعديل وزاري في الأردن “لم يقنع أي جهة”
عندما راجع أحد كبار مسؤولي الديوان الملكي الدكتور رجائي المعشر وقد كان نائبا لرئيس الوزراء قبل التعديل الوزاري الأخير، بشأن سلسلة مبادرات مدعومة ملكيا تحت عنوان حزمة إصلاحات اقتصادية وطنية وتحريك الركود، وتحت عنوان حماية الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمار، تقصد الأخير وبكل بساطة الإشارة إلى الأفكار والمقترحات والمبادرات موثقة ومسجلة وموجودة منذ عام 2010.
الملاحظة بيروقراطيا كانت قاسية قليلا. لكنها تؤشر على وجود مقترحات وتوصيات ومبادرات المطلوب تنفيذها وتحريكها ليس أكثر، خصوصا وأن أرفف الحكومة مزدحمة بالأوراق والوثائق والاستراتيجيات.
ما قصده المعشر آنذاك هو الإشارة إلى أن المطلوب فقط هو ضوء أخضر سياسي وحراك من مؤسسة القصر الملكي يدعم التصورات المكتوبة أصلا ويوفر لها الحماية والغطاء.
لسبب أو لآخر اعتبرت جملة المعشر أقرب إلى الرغبة في المناكفة خصوصا وأن الرؤية الملكية سبق أن تحدثت عن وزراء يعيقون الاستثمار ويتجنبون اتخاذ القرارات ويعطلون الإجراءات في حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز وفي الملف الاقتصادي والاستثماري.
ورغم أن المعشر كان الرجل الثاني في الحكومة والمسؤول على نحو أو آخر عن مثل ذلك التعطيل الإجرائي البيروقراطي، إلا أن الرغبة في العمل وتجاوز الحساسيات دفعت الطاقم الاستشاري في الديوان الملكي للعمل معه ومع الحكومة ضمن المبادرات التي يرعاها الملك شخصيا لتنويع الخيارات وتحريك المسألة الاقتصادية والاستثمارية.
فيما كانت الحكومة تتذرع، كانت توجيهات الرؤية الملكية تركز على التخفيف من الزحام البيروقراطي وتحفيز بيئة عمل مناسبة للاستثمار الداخلي على الأقل وزيادة جرعة التنمية المحلية حتى تنعكس الإجراءات على المواطن وحياته المعيشية.
مفاجأة من العيار الثقيل
في كل حال لم يكن مقررا أن يخرج العجوز المخضرم رجائي المعشر من الطاقم الوزاري.
لكن خروجه كان مفاجأة من العيار الثقيل هي اليتيمة في تعديل وزاري لم يقنع ورغم مرور أربعة أسابيع عليه حتى اللحظة لا القصر ولا الشارع ولا المجتمع المدني ولا الأجهزة ولا حتى الوزراء أنفسهم.
في كل حال رواية المعشر للأحداث بعد قراره الشخصي المباغت لقرار الحكومة، تضمنت شعوره تماما بفقدان الأمل بعدما قرأ سيرة شابين جديدين قرر الرزاز تسليمهما حقيبتين وزاريتين في غاية الأهمية.
وفقا لرواية المعشر المنقولة، لم يكن سبب خروجه وإصراره على مغادرة الحكومة له علاقة بما يشاع حول ملاحظة في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء أغضبته وتقدم بها وزير العمل الفتي نضال البطاينة.
عندما قرأ المعشر وبصفته نائبا لرئيس الحكومة سيرة كل من وزيري التخطيط والنقل وسام الربضي وخالد سيف، شعر بالذهول والصدمة وعلى الأرجح بفقدان الأمل فقرر المغادرة.
يرى مقربون من المعشر ان الكيمياء أخفقت بينه وبين الرئيس الرزاز، ووجهة نظر الأول أن الثاني لم يعد يستمع إلا إلى صوته فقط وبدأ يثير الحيرة حتى عند أقرب المساعدين له بخياراته في التعديل الوزاري.
يتحدث هؤلاء عن صفات مقلقة لرئيس الحكومة من بينها التردد وعدم الوضوح في الموقف والبطْء في اتخاذ القرار والارتياب بمن هم أصحاب خبرة.
الولاء الشخصي
مراقبون لديهم خبرة أعمق لا يوجهون اللوم للرزاز، فالرجل في نهاية المطاف وبحكم مسيرة ذهنية واجتماعية وفنية معروفة للجميع تنطوي على تفكير عميق وتأملي وبحثي ونقدي لا يعرف أكثر من 40 شخصا في المجتمع الأردني وفقا لملاحظة قالها لـ”القدس العربي” رئيس سابق ومخضرم للوزراء.
من الطبيعي في هذه الحالة أن يغرف الرزاز أفراد الطاقم الوزاري باحثا عن الولاء الشخصي من الأشخاص الذين يعرفهم أو عمل معهم والمعشر كان من أبرز هؤلاء.
بمعنى أن قواعد التمثيل التي اعتمد عليها الرزاز نفسه عندما رد على سؤال محدد لـ”القدس العربي” وبانفعال لم تلتزم بها الحكومة عند تنميط وخيارات التعديل الوزاري.
وقتها أصر الرزاز وأمام نحو 15 شخصية خبيرة على أن دعاة التغيير والإصلاح والديمقراطيين والليبراليين لا يمثلون أكثر من 2 في المئة في المجتمع وقال بإن هناك مكونات وشرائح عديدة في المجتمع الأردني.
يبدو واضحا الآن وفي ظل سردية المعشر لمسار الأحداث والتجاذب بعد مغادرته للحكومة أن خيارات الرزاز في أربع تعديلات وزارية على الأقل لا علاقة لها بقواعد التمثيل الاجتماعي خصوصا وأنه منح الفرصة لأشخاص غرباء وغير معروفين للمجتمع والدولة بحمل حقائب وغادر بعض هؤلاء فيما بقي البعض الآخر.
لذلك ومع وجود شخصيات وزارية غير معروفة في العمل العام أو البيروقراطي أو حتى التكنوقراطي تسبب التعديل الوزاري الأخير بما لم يتسبب به أي تعديل سابق وهو إثارة الضجة بعنوان الضجر من آلية اختيار الوزراء.
والضجر هنا ليس شعبيا فقط اليوم بل في عمق أقنية وقنوات ومسارات الدولة ومؤسسات القرار.