المعلم الأردني وسيناريو «مؤامرة»
لأزمة المعلمين الأردنيين وظيفة متقاطعة مع سلسلة من الأجندات ولعدة أطراف
أكثر ما يثير الدهشة عند متابعة عبقرية التحليل التي تنمو كالفطر وسط الأردنيين، خصوصا عبر منصات التواصل حيث يتكاثر أصحاب الاجتهاد والرأي والحل والعقد بالصدفة وأحيانا بلا خجل، هي تلك الدعوة التي تحاول قراءة أزمة المعلمين المنفلتة الأخيرة باعتبارها سطرا مخفيا في مؤامرة متراخية ولها وظيفة وتحديدا من بعض الأجهزة الرسمية، وخصوصا في المستوى الأمني.
من المفهوم أن يقال بأن رئيس الوزراء لديه حسابات مالية تمنعه من الخضوع لنقابة المعلمين ومطالبها، ومن المفهوم أيضا أن نشعر جميعا بأن الحكومة تتحرك بلا مبادرة وأن مجلس النواب الذي يفترض به أن يلعب دور الوسيط الوطني النزيه معطل من جانبه أو يعتري الغبار مفاصل مؤسساته، أو لا يستطيع لسبب غامض التقدم بمبادرة من أي نوع بدوره.
لكن ما لا يمكن فهمه بعد، أن يتم منع النواب من التصدر للقيام بواجبهم في أزمة بدأت تتخذ سياقا وطنيا ولم تعد نقابية فقط. ومفهوم أن لأزمة المعلمين الأردنيين وظيفة متقاطعة مع سلسلة من الأجندات ولعدة أطراف.
صحيح ثمة حلقة غامضة في المشهد وأسئلة كثيرة بلا جواب وغموض في التفاصيل وتكهنات تحاول تفكيك بعض الألغاز تحديدا عند محاولة فهم الأسباب التي دفعت جميع الأطراف للصعود على الشجرة وبدون الاحتياط لطريقة النزول بعد الاسترخاء قليلا فوقها لأسباب غير معلومة للمواطن.
لكن ما يعصى على الفهم هو تسرب تلك النظرية التي تزعم أن مؤسسات سيادية ورسمية تستطيع معالجة الأزمة لكنها لا تريد ذلك.
الإثارة تتجلى وسط حالة تكاثر في النظريات والتحليلات ليست تلك التي تتهم فقط المستوى الأمني بالمساهمة في انتاج الأزمة أصلا، ولكن أيضا تلك التي تتهمه بالحرص على دوامها. قد لا أصدق فعلا مثل هذا الطرح. لكن كان لافتا مؤخرا عند التدقيق في التفاصيل أن مثل تلك النظرية عن مؤامرة مفترضة ساهمت فيها دوائر رسمية لصناعة وإنتاج أزمة داخلية بتوقيع نقابة المعلمين تتردد في أروقة نخب لا بل في أروقة بعض الشخصيات الرسمية ايضا. المثير في المسألة هو بروز مثل تلك الأصوات من حيث المبدأ والأصل والجوهر مما يثير فضول التحليل والتعمق.
ثمة سبب لتواجد مثل هذه المزاعم أصلا.
ليس سرا أن العقل الأردني يتصرف في كل صغيرة وكبيرة على أساس أن المستوى الأمني تحديدا يصنع وينتج ويفتح ويغلق ويبادر ويناور ويعين وينتخب. بمعنى ثمة انطباع قد لا يكون حقيقيا بأن المؤسسة الأمنية قوية ونافذة جدا حتى أنها تسيطر على كل صغيرة وكبيرة وفي أي قطاع ومجال وعند أي مؤسسة مدنية أو نقابية أو حتى أهلية أو اجتماعية.
يعرف علماء الاتصال والاجتماع بأن الانطباعات تتجاوز أحيانا الحقائق والوقائع.
وهنا ليس سرا أن الأمني في الأردن بكل حال يتجاوز السياسي وأن مفهوم الأمن السياسي العميق غير مجرب بكثافة بعد، ويتعرض للإقصاء بين الحين والآخر كلما حصلت مشكلة من واجب المسؤول الأمني التصرف معها.
من المعروف في الأردن أن المؤسسة الأمنية تتحمل أعباء أكثر بكثير من مبادراتها واتجاهاتها في كل الملفات. وأجزم بأن تقصير النخبة والأدوات والحكومات وبؤس الأداء البرلماني والنقابي وضياع بوصلة المجتمع أصلا كلها اعتبارات مطلوب من مؤسستين دوما التعامل معها ومواجهتها حفاظا على الدولة والمؤسسات والاستقرار.
وهما المؤسسة الملكية حيث مبادرات بالجملة تعيقها أدوات تنفيذية قاصرة أو يعتريها الخمول، والمؤسسة الأمنية حيث أطنان من الواجبات والاعتبارات الحساسة وخبراء وموظفون من أبناء المجتمع ولم يستوردوا من الصين.
وحيث حركة أفقية وعامودية بمهمة شبه انتحارية لكي يسهر الأردني وينام وهو يشعر بالأمان ولكي تقفز سفينة الدولة بين أمواج الإقليم المتلاطمة.
لا أحد يستطيع التشكيك بالعبء الكبير على سلطة الأمن في الأردن والتي لا يمكن إنكار دورها في بقاء الاستقرار العام رغم العواصف.
لكن حرص المستوى الأمني دوما وانطلاقا من التفكير الوقائي وهواجس المألوف الأمني على السيطرة والتحكم والوجود في كل التفاصيل يجعل المستوى الأمني بالنتيجة وبحكم واقع الاشتباك مع كل صغيرة أو كبيرة أصلا في موقف غامض عند الأزمات بالنسبة للوجدان العام.
ما يمكن قوله هنا أنك تحتاج أينما أدرت ظهرك للتعامل مع الاعتبار الأمني والواقع يشير إلى أن وظيفة هذا الاعتبار أصلا لا علاقة لها بوظيفة بقية المؤسسات السياسية أو الاجتماعية.
بمعنى أخير تنتج تلك الحكايات والانطباعات الغريبة عن امتناع الأمن عن حل أزمة ورغبته في انتاج اشكالية ليس لأن النخب والصالونات مؤمنة بذلك ولكن لأن ذهنية العقل الأردني تؤمن بقوة أجهزة الدولة وقدراتها الخرافية والاسطورية بما يتضمنه كل ذلك من تهويل ومبالغة وتوقعات.
وايضا لأن الفكرة الدارجة أن المنسوب الأمني موجود في كل التفاصيل وكل المواقع واعتباراته هي الأولى والأساسية مما يدفع باتجاه اعتقاد واهم بأن الحل عند العقل الأمني دوما ما دام الربط أصلا من عنده. هنا قد نجد مربط الفرس.