بعد التسلل إلى دمشق والانفتاح على قطر… هل ينوِّع الأردن خياراته ويرسل تحية لاردوغان؟
يمكن وببساطة الاستدلال على ما هو أعمق في التجربة عند الاستماع وفي عمق مركز القرار الأردني إلى القناعة الراسخة والقاضية بأن تمرير اتفاقية الغاز الإسرائيلي بالرغم من الرفض الشعبي العارم لها يؤسس لهامش من المناورة والحركة تحت عنوان الاستثمار في الأزمة وواقع الحال لفتح جبهات جديدة واختراقات أكثر تنويعاً أمام البوصلة الأردنية في الإقليم.
هنا حصرياً، وفي هذه المساحة، تبرز تلك التصورات التي تقول بأن الخضوع لصفقة الغاز الإسرائيلي، رغم الجدل والضجيج، قد يؤدي إلى صمت عدة أصوات في الإقليم سبق أن منعت الأردن من التحرك في بعض الاجتهادات. وحده دون غيره مشروع الصخر الزيتي لإنتاج الطاقة، الذي يدفع الآن ثمن وكلفة الالتزام بالغاز الإسرائيلي، لا يحظى بالدلال من أي نوع.
لكن بعيداً عن الصخور وزيتها، يحاول الأردن اليوم تأسيس مبادرات تنطوي ولأول مرة منذ عام 2011 على خطوات مدروسة بعمق خارج سياق نادي التحالفات القديمة والكلاسيكية.
المعنى أن عمان بدأت تغرد ولو قليلاً وبحصة مدروسة خارج السرب، وأنها تسعى تحت عنوان الظرف الاقتصادي الموضوعي والأوضاع المعقدة لإدارة شؤون بعض مصالحها بعيداً، ولو بقدر منطقي ومدروس ولا يغضب الجبهات الأخرى، عن مصفوفة الشراكة الثلاثية، حيث البوصلة الأمريكية والاستفراد الإسرائيلي والحسابات السعودية الضيقة. في التفاصيل ثمة ما يوحي بأن الأردن اليوم معني بمصالحه، ولو بالقطعة ودون تمرد أو ضجيج أو محاولات لتحدي حلفاء تقليديين أو أغضابهم، يرى سياسي دولي من وزن الدكتور طالب الرفاعي دوماً بأن التحالف معهم لا يعني عدم وجود هوامش يمكن الاستثمار فيها لتحقيق مصالح شرعية.
تحت هذا العنوان، لا بد من قراءة حدثين بارزين حصلا مؤخراً مع الأردن في المستوى الإقليمي. الحدث الأول تمثل في الزيارة المهمة جداً التي قام بها أمير دولة قطر إلى الأردن وسط حفاوة شعبية ورسمية بالغة.
زيارة أمير قطر للأردن أعادت ترسيم مضمون وطني جزئي للمصالح الأردنية بعيداً عن مصفوفة التحالف السعودي الإماراتي المصري، ودون أي استعراض يمكن أن يزعج أو يغضب عواصم الدول الثلاث التي لا تزال عمان تحتفظ معها بعلاقات جيدة واستثنائية.
رسالة الأردن في الانفتاح على دولة قطر واضحة الملامح، وتقول ضمنياً بأن الأزمة الاقتصادية اقتضت بعض التغيير، وبأن الحاجات الملحة تتطلب بعد الآن أن لا يكون الأردن عضواً مشاركاً في نادي الحصار على قطر خصوصاً بعد المعطيات التي فرضتها في الواقع الموضوعي صفقة القرن الأمريكية على المنطقة. وهي صفقة أقرب إلى صيغة مساس مباشر باستقرار الأردن، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وهو يتحدث لمحطة «سي ان ان» الأمريكية عن جمود عميق قد تعيشه اتفاقية وادي عربة مع إسرائيل إذا ما استرسل الجانب الإسرائيلي في قرارات أحادية تغير في الوقائع بناء على معطيات صفقة القرن.
هنا حصرياً يصبح الانفتاح على دولة مثل قطر من الأمور المطلوبة، خصوصاً أن الحليف السعودي الذي يحاصر قطر يحاصر جزئياً ويعزل الاقتصاد الأردني، وإن كان بلغة غير مباشرة يعبر عنها بين الحين والآخر سياسيون كبار.
في جبهة الاختراق والتنويع الثانية، سجلت حكومة الرزاز هدفاً فريداً ومتأخراً جداً في المرمى السوري، حيث زار دمشق وزير التجارة والصناعة الدكتور طارق الحموري وبحضنه حزمة تفويضات لها علاقة بإلغاء حظر استيراد السلع ودعوة نظيره السوري لزيارة عمان، ولها علاقة أيضاً بانفتاح محسوب لتشغيل الحدود عبر برتوكولات التعاون التجاري والزراعي والحدودي والمائي وقدر الإمكان. وتلك، بطبيعة الحال، جملة أردني تكتيكية تلعب خارج السياق الذي حدده الملحق التجاري في السفارة الأمريكية في عمان لوزير الصناعة والتجارة الأسبق الحاج حمدي الطباع، عندما حذره من كلفة سياسية واقتصادية وقانونية سيدفعها أي تاجر أردني يتعاقد مع السوريين.
فوز بنيامين نتنياهو مجدداً في انتخابات إسرائيل كان أيضاً رسالة سلبية بالمقاسات الأردنية، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية لم تعترض بأي صيغة على آخر تصريحات نتنياهو بخصوص عدم اهتمامه بموقف الأردن وحتى بصمود أو عدم صمود اتفاقية وادي عربة. هذه محطات تحول أساسية بعد صفقة القرن في ظل أزمة اقتصادية خانقة وحالة طوارئ يفرضها فيروس كورونا على الأردنيين.
ومن المرجح أن تركيبة ومضمون هذه الأزمة يدفع مركز القرار نحو علاقات متوازية وأفضل مع غالبية إن لم يكن جميع دول الجوار. ومن هنا حصرياً تسرب الانفتاح على قطر، وتسلل الحموري بزيارته إلى دمشق، والعودة لصيغة أفضل نسبياً مع تركيا اردوغان، وإلقاء ولو تحية صغيرة، إن تيسر الأمر، على إيران.