بعض ما كشفته أزمة «كورونا» في الأردن: وزير «مستقيل» يبدع ميدانياً و«النظام الصحي» يقظ ومتمكن
لا تبدو المؤسسة الأردنية موحدة على مستوى كبار نخب المسؤولين عندما يتعلق الأمر بمواجهة حالة طارئة عامة ومفتوحة على الاحتمالات من طراز فيروس كورونا بالرغم من «نظافة» البيئة الداخلية وسلامة الإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة.
رغم ذلك، أظهرت أزمة فيروس كورونا مستويات متقدمة من التقاليد الرقابية البيروقراطية تعجب الرأي العام وتساهم في زيادة مصداقية الحكومة والسلطات، في الوقت الذي تراجعت فيه القناعات تماماً منذ أعوام بأداء القطاع العام.
خلافاً لكل التوقعات، نجحت مؤسسات بيروقراطية لا تحب الأضواء ولا تجيد التعامل معها وبعيدة تماماً عن الملف السياسي.. في تأطير علاقة ثقة مع شرائح واسعة في المجتمع.
وقد برزت تلك المؤشرات مع الأزمة العالمية التي تسبب بها فيروس كورونا على نحو أو آخر.
الفرصة في التفاصيل هنا بدت متاحة للتحدث عن نموذج من الوزراء الميدانيين الذين كان الملك عبد الله الثاني يتحدث عنهم دوماً دون طائل.
وزير الصحة الحالي الدكتور سعد جابر، الذي اعترض كثيرون على توليته هذه الوزارة، ظهر متقدماً جداً في العمل الميداني والقدرة على الاشتباك مع أزمة بطابع صحي، بحيث بقي يعمل ساعات طويلة مع فريقه وطاقمه بجهد جبار وسط الميدان، حتى وصل الأمر لإصداره تعليقات اضطرت منظمة الصحة العالمية للتحدث عنها.
الوزير جابر أثبت قدرات ميدانية على العمل ودون مساعدة حقيقية من وزراء المظهر والاشتباك السياسي، خصوصاً أنه يتعامل مع ثاني وزارة من حيث الحجم وعدد الموظفين والواجبات، وساهم بظهوره الإعلامي الدائم وشفافيته في إبراز القدرات الحقيقية للنظام الصحي الرقابي الذي أثبت أنه قابل للتعامل مع الأزمات.
ورغم أن الصدفة فقط هي التي قفزت بالدكتور إلى الوزارة رغبة من رئيس الأركان الأسبق بالتخلص منه في رئاسة الخدمات الطبية التابعة للسلك العسكري، إلا أن الرأي العام يلاحظ مستويات القبول لهذه الصدفة التي أظهرت بأن الأردنيين يمكنهم تعزيز الأمل بشخصيات ميدانية وزارية لا تقف عند حدود المظاهر.
في كل حال، خطف الوزير جابر الأضواء، لكن طاقم الرقابة والمتابعة في وزارة الصحة أيضاً تميز في التعامل مع التفاصيل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بحيثيات الغذاء والدواء ومتابعة المطارات، حيث إدارة الغذاء والدواء بقيادة بيروقراطي له شعبيه واسعة هو الدكتور هايل عبيدات، الذي استطاع بحكم صلاحيات إدارته القانونية السيطرة على السوق الموازية والسوداء للوسائل الطبية، وأرضى الشارع عندما هدد بإغلاق الصيدليات التي تحاول استغلال الأزمة برفع أسعار المستلزمات الطبية.
باختصار، لاحظ الأردنيون بوضوح حجم العمل الكبير الذي قامت به وزارة الصحة بإسناد خلفي زاهد تماماً بكل الأضواء من القوات المسلحة ومركز الأزمات.
في الجانب الأهلي، خفف فيروس كورونا من انشغال الأردنيين بالملفات الحراكية الاعتراضية ومن الاهتمام بملف الانتخابات التي تكاد تكون خارج التوقيت الزمني حالياً.
وخفف الفيروس أيضاً حتى من الاهتمام بصفقة القرن وتوابعها، التي كانت عنواناً لأكبر قلق وصداع سياسي أردني.
والأهم، أعاد نظام المتابعة الصحي حصرياً الأمل للأردنيين بخدمات القطاع العام، التي سبق لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أن تحدث عنه باعتباره «طائرة معطوبة والمطلوب تصليحها أثناء التحليق».
الغريب في الأمر أن وزير الصحة الجديد والحالي هو من خارج النادي التقليدي لمعلبات صناعة الوزراء، ونتجت عنه «صدمات» بالجملة لكل من لا يؤمن بالعمل الميداني ويعتبر الوظيفة مجرد وجاهة اجتماعية، حيث قرر الوزير نقل مكتبه إلى المستشفى، وشارك شخصياً في التعاطي كطبيب مع المرضى، و»ألهم» طاقم وزارته فيما وقف صياد ماهر من وزن الدكتور عبيدات مع طاقمه أيضاً وهو يسيطر على غذاء ودواء الأردنيين.
والأغرب أن الوزير جابر، وقبل ولادة الجدل العالمي بفيروس كورونا، كان قد طلب من رئيسه الرزاز إخراجه من الوزارة بأول تعديل وزاري مقبل، لا بل قدم على الأرجح وفقاً لإحدى الروايات استقالته مكتوبة لكي تقبل لاحقاً.
في كل حال، أثار الناطق الرسمي وزير الاتصال أمجد عضايلة مستويات متقدمة أيضاً من الارتياح لأنه «تحدث مع الأردنيين» هذه المرة وأطل عليهم وأجاب عن تساؤلاتهم على أكثر من صعيد، وكان يقدم إيجازات وإفصاحات تظهر بأنه وزير إعلام قرر العمل من غرف العمليات ويشتبك أيضاً ميدانياً مع واجباته بصورة لافتة.
يعني ذلك أن الوزارات التي ظهرت متقدمة في أزمة كورونا بجبهة الرزاز، حتى اللحظة، تلك التي دخلت في التعديل الوزاري الأخير فقط، فيما دخل رئيس الوزراء واعتباراً من صباح الثلاثاء بحالة صحية خاصة قد تتطلب احتجابه قريباً.
طبعاً، في لجنة الطوارئ والأوبئة تحركت عدة مؤسسات سيادية في إطار الاشتباك مع كورونا، وظهر دور التزويد المعلوماتي لمركز الأزمات الوطني.
لكن بالمقابل، أظهرت سجالات الساعات الأخيرة، عملياً، أن الحكومة لا خطط محددة لديها عندما يتعلق الأمر بقطاع التعليم وما ينبغي أن يحصل في المدارس والجامعات في حالات طوارئ مماثلة لما يفعله الفيروس.