تحركات سفير قطر الجديد في الأردن هادئة وخالية من الضجيج
لا استقطاب ولا تجاذب والبحث في «هوية استثمارية»
تبدو الرسالة المرجعية التي يحملها معه سفير قطر الجديد في الأردن، الشيخ سعود بن ناصر آل ثاني، هادفة وعميقة و»متفهمة» للبيئة التي تتحرك فيها المصالح الأردنية، وهو يجتهد بعيداً عن الأضواء وشهوة الاستعراض في تسليط الضوء على نوايا بلاده الاقتصادية في مساعدة الأردن.
السفير الشاب شارف على نهاية الشهر الأول له في عمان بعد قطيعة دبلوماسية على مستوى السفراء فقط في محور عمان الدوحة.
نشط السفير القطري الجديد بإجراء مقابلات نوعية مع نخبة عريضة من الشخصيات الوطنية الأردنية، إضافة إلى جرعة مكثفة من لقاءات ومقابلات مع فعاليات اقتصادية وتجارية تبعد السفارة القطرية برمتها عن مستويات التجاذب السياسي. فقد قابل السفير، وفقاً لما رصدته «القدس العربي»، شخصيات سياسية وبرلمانية ووطنية وبعض أركان القطاع الخاص الأردني، مثل كبير تجار الأردن الحاج حمدي الطباع، وغيره من أبناء الحالة الاقتصادية والتجارية في السوق الأردنية.
يحصل ذلك لسبب؛ ففي الأثناء بدت محاولة السفير القطري الجديد واضحة باتجاه الإيحاء بأن أجندته اقتصادية في المقام الأول، وبأنه لن يغرق في مساجلات سياسية من أي نوع… تلك رسالة لا يحملها سفير شاب بتقدير المؤسسة الأردنية العميقة إلا بتوجيه مباشر من الأمير تميم، الذي يعتبر -قياساً بأقرانه من الزعماء العرب وبصرف النظر عن جمود العلاقات بين البلدين نحو عامين- أكثر الزعماء العرب دعماً للوصاية الهاشمية في القدس، وتقديراً لدور الأردن في القضية الفلسطينية وبالنص المكتوب وبدون التباس.
هنا يمكن لأي مراقب أن يستنتج بأن السفير الشاب، آل ثاني، يحاول التباين بمهارة وحرفية عن نظيره السعودي الأمير خالد بن فيصل الذي أنتج مساحات كبيرة من الجدل السياسي في عمان وهو يكثر من الملاحظة والمتابعة والإفتاء السياسي والجمل النقدية في بعض الأحيان خلافاً لأعراف الدبلوماسية.
الدوحة هنا تقول، بوضوح وعلى هامش ما لم يعد سراً بخصوص الترتيب لزيارة الأمير تميم إلى عمان، بأنها ترغب في الدخول إلى العلاقة السياسية دون تكليف ودون ابتزاز أيضاً سياسي، وعبر الجدية في مجال التعاون الاقتصادي والاستثماري، وهو ما تريده عمان قبل أي شيء آخر في هذه المرحلة. وخلافاً لحمى الاستقطاب الحاد التي تشعر بها غرفة القرار الأردنية عندما يتعلق الأمر بمحاصرة الديناميكية الأردنية في مساحات محددة لصالح الموقف السعودي.. لا تريد الدوحة بكل وضوح المزاحمة هنا.
بمعنى آخر، تفتح الدوحة ذراعيها لعمان وترحب بعودة السفيرين إلى عملهما. وهي اليوم، بعد هندسة رفيعة المستوى خلف الستارة والكواليس من قبل أردنيين وقطريين، تقدم أو في طريقها لتقديم حزمة من تقنيات وآليات التعاون الاستثماري يتم التجهيز لها جيداً.
يحصل ذلك دون شروط أو قيود أو تعقيدات. ويحصل دون تدخل في الحساسات السياسية الأردنية مع دول تخاصم قطر وتحاصرها. والأهم أنه يحصل دون أي محاولة للتأثير في بوصلة التحالف الأردنية خلافاً طبعاً لما يفعله الشقيق السعودي بين الحين والآخر. لكن التكتيك القطري يتسبب هنا بأجواء ارتياح في دوائر عمان الرسمية، حيث اتصالات تنمو بهدوء وسفير يقول لضيوفه الأردنيين بأن برنامجه سيركز على الاقتصاد.
وأخيراً، حيث بيئة اجتماعية وشعبية ونخبوية أردنية لا ترصد من قطر إلا حرصها على فتح صفحة جديدة وتجنب المزالق والتأزيم، ما يوفر ملاذات في الحراك الإقليمي الأردني لها علاقة بتجنب التمحور والتموقع، وفي بعض الأحيان تجنب التبعية للبوصلة السعودية التي ثبت للجميع عملياً أنها في المسألتين، اليمنية والعراقية، وفي القضية الفلسطينية، مشتتة وتعاني من اضطراب.
أسهم الدوحة هنا، وسط المجتمع الأردني تزيد، خصوصاً بعد وعدها بعشرة آلاف وظيفة تم تعيين خمسة آلاف منها فعلاً للأردنيين، فيما عاد من السعودية آلاف الأردنيين الذين فقدوا وظائفهم بالرغم من كل تصريحات التضامن والمجاملة التي تصدر عن قادة المملكة الشقيقة، وبالرغم أيضاً من أن القيادة الأردنية وجهت رسائل ود ومحبة مؤخراً للرياض، عبر استنكار الملك عبد الله الثاني العملي للهجمات الإرهابية التي استهدفت مصافي النفط مؤخراً أو عبر الحرص على هامش اجتماعات نيويورك على بيانات ختامية تعلن الوقوف مع السعودية ضد أي مساس بمصالحها، أو حتى عبر العودة إلى مربع مقولة .. «أمن السعودية والخليج من أمن الأردن».
وعليه، يمكن القول إن عملية عودة السفيرين، الأردني والقطري، إلى عمان والدوحة تبدو مستقرة وهادئة وخالية من الضجيج، وبصيغة تفتح المجال لتوقع استراتيجية عمل بين البلدين أكثر نضجاً من أي وقت مضى.