تحليل: إبقاء الأردن على حافة الحاجة إلى الطاقة جريمة ضد مشروع «الصخر الزيتي» والمستفيد الوحيد هو غاز إسرائيل
مسألتان لا يمكن إسقاطهما من أي حساب سياسي أو وطني عندما يتعلق الأمر بالحفر البيروقراطي والحكومي المنهجي تحت أرجل مشروع «الصخر الزيتي» الكبير، في الوقت الذي تتعامل فيه الحكومة مع الغاز الإسرائيلي وتداعياته، وكأنه عرس عند الجيران.
المسألة الأولى تتمثل في أن الصخر الزيتي، وهو ثروة وطنية عملاقة في جوف الأرض الأردني في كل حال، تنطبق عليه معايير الدهاء والخبث السياسي الإقليمي والدولي الذي يريد إبقاء الاقتصاد الأردني على الحافة تماماً، لكن هذه المرة عبر منع الأردنيين من الاستثمار في مخزون يرى الخبراء بأنه كبير جداً من الصخر الزيتي لإنتاج الطاقة، وبالنتيجة الكهرباء.
المسألة الثانية لها علاقة بتواطؤ غريب وعجيب، وبدأ يثير الارتياب السياسي فعلاً من عدة أطراف في الدولة تصر على: أولاً، شيطنة فكرة إنتاج الطاقة والكهرباء من الصخر الزيتي، وثانياً تكريس الجريمة بحق أول مشروع من نوعه يستطيع تمكين الأردنيين من الاستثمار في معدن يملكونه. تماماً مثلما حصل في زراعة القمح، ومثلما حصل في استخدام حصة الأرض الأردنية من حوض مياه الديسي، حيث يحرم المواطن الأردني البسيط من فهم تلك الأسباب والمسوغات التي تصر على بقائه محتاجاً أو حتى عاجزاً بالمعنى الإستراتيجي الاقتصادي، في الوقت الذي يتسرب فيه غاز إسرائيل -وبعكس إرادة الشعب الأردني- إلى البلاد ويجبر عليه العباد.
الجريمة الحقيقية هنا ليست في الاستثمار في الصخر الزيتي، ولكنها في إحباط مشروع هذا الاستثمار بعد تعليق الجرس بمجموعة استثمارية.
وبالاسترسال في التذرع والشائعات والتواطؤ لصالح تطويع وتطبيع فكرة وضع ملف الطاقة الاستراتيجي برمته في حضن العدو الإسرائيلي، الأمر الذي يجعل قطباً برلمانياً من وزن صالح العرموطي، ليس محتاراً فقط، بل ميالاً إلى التشكيك في مثل هذا العبث، وهو يؤكد لـ»القدس العربي» بأن الاسترسال في احتضان الغاز الإسرائيلي يعني فرض عقوبة الإعدام على مستقبل الأردنيين في أمن الطاقة.
وفي رأيه فإن العدو مجرب وينقلب على المواثيق والمعاهدات، كما أن الدولة الأردنية اليوم تعرف ذلك تماماً وتعاني منه، وثمة بدائل بالجملة فيها عنفوان وكرامة وطنية وقومية كانت متاحة.
أحد هذه البدائل كانت تلك المتعلقة بالاستثمار في الصخر الزيتي، وهي فكرة تتداولها ألسن المسؤولين منذ عام 1996، وبدأت تولد في الواقع مع استعداد نخبة من المستثمرين وبمظلة مالية وإئتمانية صينية، لأول مرة، لتحويل هذا الحلم في إنتاج الطاقة إلى واقع.
ومنذ ولد المشروع، أصدرت له كل التراخيص اللازمة، ودفع المستثمرون حتى اللحظة ما لا يقل عن مليار ونصف المليار دولار، وبدأت منطقة الصحراء جنوبي العاصمة تأمل في الانتعاش مع استثمار بمظلة صينية وصف بأنه الأضخم عالمياً في مشروع واحد بمجال الطاقة.
وفجأة، تغيرت الأحوال وانقلبت الحكومة الأردنية على المشروع، وأصبحت «شيطنته» واعتباره جريمة اقتصادية خطوات ملازمة لكل محاولات تسويق الغاز الإسرائيلي.
وفي الوقت الذي كانت وزارة الطاقة الأردنية تتحرش بالمشروع وتحاول إعادة التفاوض وتحرج المستثمرين والحكومة الصينية، كان عدو الأردن الأبرز اليوم، بنيامين نتنياهو، يحتفل بتحول كيان الاحتلال إلى دولة مصدرة للنفط، مع أن الاحتلال لا يستطيع تصدير الغاز إلا إلى دولتين مجاورتين فقط تصادف أنهما الأردن ومصر.
ولا يتعلق الأمر بالمشروع نفسه بقدر ما يتعلق بإصرار الخبراء على أن الأرض الجوفية مليئة في عدة مناطق بالصخر الزيتي، وفي حال عدم تمكين الأردنيين من الاستثمار فيه فلن يحصل تقدم على هذا الصعيد، في تكريس لفكرة البقاء على الحافة التي ألمح إليها في عدة أحاديث سياسية لـ»القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.
تلك صدفة لا يمكن أن تكون مبرمجة بلغة السياسيين، حيث يتبادل علية القوم في عمان إشارات أقرب إلى لغة الصم والبكم، وهم يتغامزون عندما تأتي سيرة الغاز الإسرائيلي، وأي غمزة في السياق بدأت تقترن بالمشروخة التي تتحدث عن ارتفاع كلفة إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي أو حتى الطاقة البديلة.
تلك أيضاً، بالمضمون السياسي العميق، لا يمكنها أن تكون صدفة، حيث تنقلب الحكومة الأردنية فجأة على استثمار عالمي ضخم هو الأبرز في تاريخها، بالتزامن مع صفقة القرن الأمريكية ومع تجاهل ما يقوله الشارع الأردني ومؤسساته صراحة ضد صفقة الغاز الإسرائيلي.
الأدهى من ذلك أن الاستثمار المشار إليه يتم النظر إليه بتلك الحسابات الضيقة. فالداعون اليوم إلى إعادة التفاوض، والمتذرعون بكلفة إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي، يلعبون بالأرقام، وهم أنفسهم الذين يحاولون التعامل مع غاز إسرائيل باعتباره قدراً مقدسا. لكن وزير الطاقة الأسبق محمد حامد، قال أمام «القدس العربي» في مقر رئاسة الوزراء، بأنه قدر قابل للاستدراك والتحول، وهو يؤشر إلى أن عمر اتفاقية الغاز 15 سنة فقط.
الأهم في مسألة التزاحم الأمريكي الإسرائيلي من جهة، والاستثمار الآسيوي في الصخر الزيتي من جهة أخرى، أن حلم الأردنيين بإنتاج الطاقة من ثرواتهم الطبيعية في الأرض، يتبخر تحت وطأة الشروط الجديدة التي يحاول الطاقم الاقتصادي في الحكومة فرضها على المعنيين بالمشروع، والذين بدأوا الإنتاج فعلاً ودفعوا ملياراً ونصف مليار دولاروسيدفعون غيرها لاحقاً.
مرة أخرى، الصخر الزيتي في وجدان الشارع الأردني أشبه بما حصل مع القمح والمياه، والمطلوب -حسب العرموطي ورفاقه- بقاء الأردني على الحافة ومحتاجاً لغاز العدو في جملة سياسية مرسومة بعناية، مع أن فكرة تمكين الأردنيين من ثرواتهم المعدنية تحتاج إلى اصطفاف وطني وإلى أنماط من الاشتباك الحقيقي بعيداً عن التفاصيل الرقمية.