جدل السيادة و«النفع العام»: هل تستملك حكومة الأردن قطعة أرض كبيرة مسجلة لمؤسسات «يهودية» في الباقورة المحررة؟
الشارع يسأل بحرارة: لماذا لم تنظم احتفالات رسمية؟
يبدو السؤال مشروعاً: لماذا وما هي خلفية عدم تنظيم احتفالات ببعد رسمي وشعبي مختلط أثناء مراسم تسليم واستلام أراضي الباقورة والغمر بعد إنهاء احتلالهما؟
قبل أيام من احتفالية وطنية مفترضة باستعادة الأراضي التي تحتلها إسرائيل، كانت العديد من الفعاليات تطالب بتنظيم احتفالات تليق بعودة قطعة من الوطن. قبل يومين فقط من صباح الأحد الماضي، قال عضو مجلس النواب صالح العرموطي لـ «القدس العربي» بأن أقل ما ينبغي فعله هو افتتاح الدورة العادية الجديدة للبرلمان في الأرض المحررة من العدو.
أمل العرموطي بددته الترتيبات السياسية والأمنية الكتومة التي أحاطت بالمسألة، خصوصاً أن ملك البلاد عبد الله الثاني، أمر العام الماضي بإنهاء عقد تأجير الأراضي المزروعة للإسرائيليين وإعادتهما للسيادة الأردنية في موقف ملكي تسبب بارتياح شعبي كبير وواسع. عملياً، تلك الأراضي هي الوحيدة التي تمكنت دولة عربية من إعادتها بصمت وبعملية سلام.
لكن الجميع استفسر علناً: لماذا لم تنظم احتفالات رسمية وشعبية في الموقع المحرر حيث عدة مئات من هكتارات الأرض الزراعية المحاذية لقطع أراض عسكرية وأمنية الطابع؟
الصحافية إخلاص القاضي نشرت تسأل: لماذا لم يكتب لنا الاحتفال بإنجاز كبير للقائد؟
قبل ذلك، كان العرموطي يذكر بأن هذا الإنجاز الوطني الكبير يستوجب فعلاً تحشيد قوى الشعب الأردني في المكان لحظة رفع العلم الأردني، الذي رفع عملياً من قبل أحد الجنود وفي احتفال صغير الحجم ومحدود ومن دون عقد أي اجتماعات في الموقع أو السماح بزحف جماهيري، خصوصاً بعد قرار الأردن «السيادي» بمنع المستوطنين والمزارعين والسياح الإسرائيليين من دخول المنطقة المستعادة إلا بترتيبات بيروقراطية، وبعد استعمال معابر رسمية حدودية وتأشيرات مسبقة.
دون ذلك، لا يعلم الرأي العام الأردني شيئاً عن أي ترتيبات متفق عليها بين الجانبين خلف الستارة، ووزارة الخارجية امتنعت في اللحظات الأخيرة عن تنظيم مؤتمر صحافي كانت قد أعلنت عنه ودون إبداء الأسباب، في الوقت الذي لم يتواجد فيه كبار المسؤولين في موقع استلام الأرض المحررة، على أهمية الإنجاز، بسبب تزامن استعادة الباقورة والغمر مع إلقاء خطاب العرش في افتتاح البرلمان. وفي خطاب العرش نفسه، هنأ العاهل الأردني شعبه باستعادة الأرض، وأعاد التلفزيون الرسمي بث الأمر الملكي المباشر الذي صدر للحكومة العام الماضي بعنوان ..»إنهاء عقد التأجير».
ورغم وجود منسوب كبير من الاعتزاز الشعبي والوطني، إلا أن السؤال حول غياب الاحتفالات بقي مثاراً ونتج عنه استفسارات عن توافق أردني إسرائيلي خلف الستارة على تخفيض مراسم الاحتفال إلى أضيق حد ممكن بعدما تسبب المشهد أصلاً بمشكلة للحكومة الإسرائيلية مع المستوطنين والمزارعين الذين تردد أن بعضهم رفض الانصياع للأوامر ومغادرة المكان. ومن المرجح أن اعتبارات أمنية وليست سياسية فقط قلصت من هامش الاحتفال الرسمي.
لكن الباقورة تحررت في النهاية، ورفع عليها العلم الأردني، وكانت أول أرض عربية تستعاد بالسلام، في الوقت الذي تعاني فيه اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الجانبين جراء السلام البارد والعداء الثنائي في العديد من الملفات، وأبرزها القدس والوصاية الهاشمية الأردنية عليها.
وتقصدت الحكومة الأردنية اتخاذ تدابير بيروقراطية وقانونية وأمنية تخضع تماماً من خلالها كل إجراءات المنطقة المستعادة للسيادة الأردنية، حيث لا مجال لأي ترتيبات خاصة حتى تلك التي طالب بها اتحاد المزارعين الإسرائيليين في رسالة مثيرة توسلت للملك عبد الله الثاني تمكين المزارعين من العبور بتصاريح خاصة من البوابات القديمة نفسها.
وفهمت «القدس العربي» من وزير الداخلية سلامة حماد، أن الإجراءات السيادية القانونية مع الإسرائيليين وغيرهم تطبق بمعيار ومسطرة واحدة بكل حال.
وهنا أصرت الحكومة الأردنية على أن يحصل أي إسرائيلي يريد العبور للباقورة والغمر بعد تحريرهما، ولأي سبب، على تأشيرة نظامية، ويعبر من جسر الشيخ حسين حيث أغلقت البوابات الإسرائيلية تماماً في مشهد نادر في مقايسات الذاكرة العربية.
وفي غضون ذلك، لم تكشف السلطات بعد عن خلفية ما يثار من نقاش حول طبيعة «ملكية» الأراضي داخل الباقورة والغمر، حيث أعلن جنرال متقاعد هو منصور أبو راشد، بأن نحو 830 دونماً من أراضي المنطقة مسجلة فعلاً بملكية لمؤسسات يهودية، وتوجد وثائق طابو مسجلة في المملكة بالخصوص لم تشر إليها أي بيانات رسمية.
ولم يصدر رسمياً ما ينفي أو يؤكد ما قاله أبو راشد، وهو جنرال عسكري متقاعد متخصص بالاستخبارات، وإن كان العرموطي قد استبعد الأمر، مؤكداً لـ «القدس العربي» بأن الأرض عربية أباً عن جد.
العرموطي، من جهته، تبنى الرأي المنقول عن عقل الحكومة القانوني بالخصوص، والقائل بأن الملكية الفردية وإن كانت يهودية تخضع للسيادة الأردنية، مشيراً إلى أن السيادة الأردنية هنا تعني الخضوع للقوانين الأردنية بمعنى إمكانية «استملاك» أي قطعة أرض تحت بند «النفع العام»، مع تعويض قانوني نظامي لأصحابها بصرف النظر عن هويتهم أو جنسيتهم. ومثل هذا الخيار طرحه العرموطي وغيره مبكراً. لكن موقف عقل الدولة منه لا يزال قيد الغموض.