«حالة البلاد 2019»… تقرير أردني «جريء جداً»: نهج الإدارة العليا يحتاج إلى تغيير
أقر بوجود أزمة «عميقة ومركبة»… والمرحلة الانتقالية مستمرة منذ 30 عاماً
عبارة «تغيير النهج» كان يمكن أن تثير بالعادة كل أنماط الحساسيات في الأردن عندما تقولها المعارضة العدمية أو الحراك المتشتت.
لكن عندما تصدر عن «مؤسسة عصف ذهني» تتبع الدولة ورئاسة الحكومة تصبح المسألة مرتبطة سياسياً بسقف جريء في «التشخيص الذاتي» تتطلبه ظروف واعتبارات، والأهم تحديات الواقع والمرحلة.
بوضوح ودون مجاملة، أوصى تقرير «حالة البلاد لعام 2019» وبعد بحث معمق وتفصيلي غير مسبوق، بضرورة أن تبدأ مرحلة تغيير نهج الإدارة العامة للدولة بعد الإقرار ضمنياً ورقيماً وعلمياً بأن مؤسسات الدولة لا تزال تخفق في «تنفيذ» سياسات وخطط وإستراتيجيات هي التي وضعتها.
والأهم، بعد الإقرار، باستمرار وجود «أزمة عميقة ومركبة في المملكة». في بطن التقرير المعلن أمس الثلاثاء، بمبادرة منهجية سنوية من المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للدولة، «محطات» مفاجئة جداً في سياق متطلبات المتابعة و»التشخيص» الوطني بأسلوب علمي ونقدي يخلو من العبثية والعدمية ويؤسس لخارطة طريق للمعالجة في قيمة تبرز لأول مرة عملياً.
المحطة الأبرز في التقرير الذي أرسل لمكتب «القدس العربي» هي تلك التي تؤشر إلى أن الاستمرار في إدارة مؤسسات الدولة بموجب النهج القديم أصبح مكلفاً.
الأهم في المحطات السياسية هي جرعة الانتقاد الواضحة في التقرير لاستمرار صمود وبقاء البلاد في «مرحلة انتقالية» عندما يتعلق الأمر بالتحول الديمقراطي منذ عام 1989.
لم يسبق إطلاقاً لأي تقرير رسمي أو أهلي أن أوصى بضرورة الانتقال من المرحلة الانتقالية التي صمدت حتى 30 عاماً. وهي توصية غير مسبوقة تحاول لفت نظر صاحب القرار المرجعي في الإدارة العليا إلى «المرض الحقيقي»لإن طول المرحلة الانتقالية اضعف هيبة الدولة وافقد العلاقة مع الشعب من مضمون المصداقية.
يقترح التقرير أيضاً وبوضوح العمل على «توافق على فهم موحد للمصلحة الوطنية».
ويتحدث عن ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة، إضافة إلى وجود كثير من الوزارات التي تضع خططاً طموحة دون وضع خطط تنفيذية يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
وفي «حالة البلاد» في نسخته الثانية إقرار بازدياد حجم فجوة الثقة القائمة بين الحكومات والناس بسبب ضعف حلقات الإدارة العليا وغياب الرقابة والمساءلة على صعيد المؤسسات، وهو ما يعمق من النهج القائم والذي بالضرورة يقود إلى مزيد من التراجع. وأوضح التقرير أنه مع الإنجازات والتحوّلات الواسعة التي شهدتها حالة الإصلاح السياسيّ، وتحديداً في سنوات العقد الأخير، إلّا أن عملية التحول الديمقراطي ما زالت تمرّ بمرحلة انتقاليّة طويلة، إذ ما زالت جملة من قضايا التنمية السياسية والإصلاح السياسي تراوح مكانها ولم تُحسَم.
وفي الأثناء، يشدد التقرير على أن التغيرات لن تكون نوعية وجذرية خلال عام واحد في أداء المؤسسات وأجهزة الدولة، ولكنه من المقبول أن نلمس نشاطاً ملحوظاً لبدايات في تغير النهج القائم الذي يقوم على رؤى وخطط عمل جديدة ستؤثر بالتأكيد إيجاباً في تحسين نوعية الحياة للمواطنين، يعدّ ذلك شرطاً أساسياً للبدء بالخروج من الأزمة العميقة والمركبة التي تمر بها البلاد على الأصعدة كافة.
وتطرق إلى الآثار السلبية المترتبة على غياب الإنجاز الذي من المفترض أن يحقق مكتسبات يلمسها المواطن، ويقود الحكومات إلى الاستمرار في سياسات الاسترضاء، وهذا يضعنا في حلقة مفرغة لا يمكن الخروج منها إلّا بالإنجاز، إلّا أن التشكيل الحالي ومضمون الإدارة العامة للدولة وأسلوبها لا يمكن أن يؤدي إلى التقدم المنشود والخروج من الأزمة.
قبل ذلك، تتضمن ديباجة التقرير الجديد الإشارة إلى بعض ما حصل مع التقرير السابق لحالة البلاد عام 2018، حيث لم تصل للمجلس المعني أي ملاحظات من الوزارات والمؤسسات التي أرسل لها التقرير، وبدأت الوزارات بالاطلاع عليه في أثر رجعي مع الإعلان عن قرب إشهار التقرير الجديد.
وكانت الحكومة قد تجاهلت، برأي مصادر خاصة، التقرير للعام الماضي بعدما أقر بأن غالبية أداء مؤسسات الدولة في تراجع ملحوظ.
والتقرير الجديد أسس على نمطية التحليل العلمي والتشبيك مع التقرير السابق في جهد يبرز لأول مرة على صعيد المؤسسات الأردنية، وتعرض للمتابعات ولما أنجز ولما لم ينجز قبل الاندفاع باتجاه أي خلاصة أو استنتاجات.
ويناقش في عدة آلاف من الصفحات ثمانية محاور أساسية، من بينها التنمية السياسية، وقطاع الشباب، والمياه، ونظام الخدمات، والسياسات المالية والاستثمارية والنقدية، وواقع السوق والصناعة، وقطاع النقل، والتربية والتعليم. وعملياً، يقدم التقرير وصفة متكاملة لا تكتفي بعرض المشكلة أمام صاحب القرار، بل تتجه نحو تقديم الحلول والمعالجات.