خصومات بالجملة في الأردن تشمل “الإصلاح السياسي”
مشروع النهضة يحتاج لسنوات عدة”… قالها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز منتصف الأسبوع الماضي بكل بساطة من دون أن تناقش أو حتى تلفت النظر.
طبعا لا أحد يستطيع فهم الدوافع التي تحركت عند الرزاز لكي يبلغ الشعب الأردني بتلك الخلاصة والحقيقة إلا إذا كان يقصد أن حكومته التي تكمل عامها الثاني بعد نحو ثلاثة أشهر هي التي بدأت مشروع النهضة لكن ليس مطلوبا منها أن تكمله.
قد يقصر عمر حكومة الرزاز إلى ما قبل شهر أيار/مايو المقبل. وقد يطول عمرها إلى ما بعد ذلك وبأي وقت بإمكان رئيسها وعد الأردنيين بالمزيد من الخطوات على طريق مشروع النهضة، حيث جردة حساب تؤكد بأن الرزاز خلخل بعض قواعد العمل وقاد الحكومة في مرحلة معقدة وصعبة ونجح أحيانا وأخفق مرات لكنه في كل حال رئيس الوزراء الذي يحدد أهدافا كل ثلاثة أشهر وبصورة فصلية ثم يعلن نسبة ما تحقق منها أمام الرأي العام.
لا فت جدا للنظر بأن حكومة الرزاز عندما تشكلت وعدت الأردنيين بمشروع نهضة وطني من دون أن تحدد لهم تعريفا له. ولافت أيضا أن ذلك الوعد أطلق بقوة في فضاء اعتصامات الدوار الرابع الشهيرة أيضا من دون تحديد سقف زمني له ولا حتى شكل أو لون، ما أثار لاحقا وبعلم وزراء الرزاز موجة عاتية من العبارات الساخرة في المنصات الاجتماعية تحاول الاستفسار عن مضمون تلك النهضة الوطنية.
شعار لا يمكن تطبيقه
مشروع النهضة الوطنية بالنسبة لحكومة الرزاز هو أقرب لشعار لا يمكن تطبيقه.
رغم ذلك لجأ الرجل مجددا لتذكير الأردنيين بوعده القديم نسبيا ثم سجل في أحضانهم المفاجأة التالية والتي تقول إن مشروع النهضة سيحتاج لسنوات عدة.
تلك على الأرجح محاولة ذكية لاحتواء الإيحاء بوجود فصام في الخطاب الحكومي. ومحاولة متذاكية للتأكيد والإيحاء بأن كل ما تفعله الحكومة عمليا هو ضمن خطة اسمها مشروع النهضة الوطني، بدأت بقانون الضريبة الجديد الذي ورثه الرزاز عن حكومة سلفه الدكتور هاني الملقي، ويمر بتطوير خدمات القطاع العام وقد ينتهي بمفهوم مرن للنهضة الوطنية حيث أكثرت الحكومة من الكلام والوعود من دون تفسيرات ملزمة.
مبكرا اكتشف الرزاز عمق الأزمة المتمثلة في صيانة محركات طائرة أثناء الإقلاع. قالها بوضوح بعد أسابيع قليلة من تكليفه أمام “القدس العربي”: “التفاعل مع القطاع العام مهمة صعبة جدا وستكون شرسة”.
لاحقا سأل وزير سابق صديقه الرزاز عن نهايات في مشروع النهضة يحتمل أن تكون لها علاقة بالإصلاح السياسي أو بمحوره الأساسي وهو قانون الانتخاب.
الإجابة مبكرا كانت غريبة وتشير إلى أن ملف الانتخاب في الأردن شائك ويغضب دول الخليج الصديقة. يعني ذلك أن مشروع النهضة الوطنية المستقر في عقل الرزاز وذهنه لم يكن أصلا يتضمن إصلاحات سياسية أو تجربة الخوض في الإصلاح السياسي.
ثمة دليل على ذلك رصده القوم عندما غادر الحكومة وزير الثقافة والشباب الأسبق محمد ابو رمان بعد ما عوقب عمليا بيروقراطيا وفقد وظيفته الوزارية لأنه اهتم ورقيا فقط باستراتيجيتين:
الأولى تخص الشباب والثانية لها علاقة بملف التنمية السياسية والإصلاح الانتخابي.
ذلك طبعا دليل على أن النهضة التي يتحدث عنها الرزاز في عبارة تبدو موسيقية لا علاقة لها بالإصلاح السياسي بصرف النظر عن عناصر الجذب التي تكمن في عمقها تحت عنوان احتواء الاعتصامات والحراكات ووضع خطط لإصلاح الاقتصاد الوطني يقال علنا اليوم بأنها ليست خطط الحكومة بقدر ما هي خطط مؤسسة القصر الملكي.
بمعنى آخر وأخير، قانون الضريبة موروث عن حكومة الملقي. والخط الحالي في إصلاح الاقتصاد قرر في إطار المراجع السيادية وملف الشؤون الخارجية لا تختص به الحكومة والاتفاقيات التي وقعت في نطاق التجارة والطاقة مع بعض دول الجوار ليست فعالة أو منتجة.
ما الذي تعنيه هذه الوقائع؟ ببساطة تعني بأنه حتى ما أنجز أو أنجز في سياق النهضة بمضمون اقتصادي لا علاقة له بالحكومة التي قفزت بأحلام الأردنيين وآمالهم وتحدثت عن مشروع نهضة وطني متكامل.
لذلك – وهذا أغلب الظن – عاد الخطاب الحكومي لتقطيع وتجزيء المتبقي وتجديد الوعد زمنيا بالإشارة إلى أن مشروع النهضة غير المعرف عمليا يحتاج لسنوات عدة.
يكاد الرزاز يقول ضمنيا “ينبغي أن أبقى لسنوات عدة في الواجهة حتى أكمل لكم مشروع النهضة اياه”.