خيارات «صعبة» وبروتوكولات «مبتكرة» لـ «تأمين» الأردنيين في منازلهم بثلاثية «مياه وخبز وأدوية»
لا تريد السلطات الأردنية تخيل سيناريو «التهافت» مجدداً على المنتجات والمواد الغذائية كما حصل ليلة الجمعة الماضية. ولا تريد المجازفة بـ «تقليص حظر التجول» حتى تستمر في تطبيق برنامج «احتواء الفيروس» القاضي بالحد من الانتشار وصولاً إلى «ذروة الإصابات».
وفي الوقت نفسه، تتحدث البنية الاستخبارية الصحية عن عملية بحث وتقصي لمصابين محتملين عادوا إلى منازلهم، وأغلبهم حضروا عرساً مثيراً للجدل تسبب بإصابة 13 شخصاً حتى الآن، وعرف باسم «عرس إربد». ولا يريد رئيس الوزراء في الوقت نفسه «خنق المواطنين» بإجراءات تقول الحكومة إنها خشنة وصعبة وستستمر لأسابيع على الأقل، حيث الحظر «لن يرفع»، حسب آخر تصريح للناطق الرسمي باسم الحكومة الوزير أمجد عضايلة.
وعلى المستوى السيادي، تصل المؤسسات الأمنية والعسكرية الليل بالنهار لتصل إلى معادلة تضمن الحد من انتشار الفيروس والاستعداد لأسوأ السيناريوهات وسط «تعددية» ملموسة في التصريحات والتعليقات الرسمية، تسبب سياسياً وبيروقراطياً وشعبياً أحياناً قدراً من «الارتباك» أكثر مما تخدم الهدف الوطني العام.
وفي الترتيب المتزامن ووسط القناعة بأن حظر التجول «ينبغي أن يطول» وتخفيفه «ليس خياراً» الآن، وحتى الجمعة المقبلة غرفت جميع مؤسسات القرار بالسؤال المتعلق بكيفية إبقاء الأردنيين بمنازلهم مع تأمينهم بالخدمات وسط دعوة مباشرة لها ما يبررها سياسياً من الوزير العضايلة، تحدث فيها مع وزير الصحة النشط سعد جابر عن «ضرورة التعايش مع نمط جديد اجتماعياً خلال الأزمة».
غرق بيروقراطي في التفاصيل على أساس صمود «الحظر» ومخاوف «التمرد» عليه
تقود خلايا العمل والعصف الذهني المتواصلة في أروقة القرار ومركز الأزمات لصيغة السؤال الأكثر حرجاً: ما هي المعايير المرنة قليلاً التي تشكل الفارق بين «تطبيق صارم» لمتطلبات الحظر العام وبين احتياجات الناس بالتوازي مع ظهور مؤشرات «تنمر» في بعض المدن على التعليمات؟
حتى ظهر الاثنين، يبدو أن السلطات الأمنية ألقت القبض على أكثر من 1200 خارق للحظر. ولتحقيق أكبر منسوب ممكن من ردع الناس، يتم حجز المخالفين في مراكز تابعة للقوات المسلحة حتى تتفرغ الأجهزة الأمنية للمتابعة والرصد، وأحياناً الملاحقة.
يطرح استراتيجيون تساؤلات فرعية هنا: ما هو عدد الأشخاص الذين تستطيع السلطة سجنهم بتهمة مخالفة «أوامر الدفاع»؟.. ما هي كلفة هؤلاء اجتماعياً إذا غابت معادلة وسطية؟
الأهم هو السؤال الذي يعيش الآن في عقل وذهن كل مسؤول ويتسبب بهوس بيروقراطي يبحث عن وصفات وآليات لتأمين الأردنيين في منازلهم: كيف ينضبط الجميع، وإلى أي حد يمكن أن تحتمل الشرائح الاجتماعية مع استرسال الخطاب التعبوي الذي يؤشر على أن خيارات السلطة معقدة وكلفة التشدد بالحظر أقل من كلفة العكس؟
الرأي العام لا يبدو معنياً بطرح مثل هذه التساؤلات، ومستويات الحذر زادت وكذلك الخوف، خصوصاً مع زيادة نسبة الامتثال في ظل ما تنقله وسائل الإعلام عن أهوال فيروس كورونا في العالم وخصوصاً الدول الغربية.
لا توجد «وصفة وطنية» منتجة للتعامل مع مأزق حظر التجول وتداعيات الفيروس دون «كلفة».. الانبطاع قوي بهذا الاتجاه وسط الطاقم الوزاري الذي يجتهد في كل التفاصيل وعلى مستوى خلايا الأزمة.
وعملياً، كل الخيارات «مرهقة ومكلفة»، لكن الحسابات دقيقة والسلطات تبلي بلاء حسناً حتى الآن، حسب المحلل السياسي الاستراتيجي عدنان أبو عودة، الذي يتحدث مجدداً لـ»القدس العربي» عن «خارطة اقتصاديات» متجددة فرضتها تحديات الفيروس، والأردن ليس في الاستثناء وكذلك كل الدول قليلة الموارد.
رغم «قلة الموارد»، تدير خلايا الأزمة الوزارية المقترحات للتعامل مع التداعيات والنتائج بطرق «ابتكارية» حتى الآن، حيث إن الإصرار على الحاجة الملحة إلى حظر التجول الشامل دفع في اتجاه وصفات مبتكرة ضمن بروتوكول خاص بعنوان «خدمات التوصيل» لجميع الأردنيين، إضافة إلى خدمات التعليم عن بعد.
الابتكارات المقترحة هنا تقررت مساء الاثنين.
لكن في التطبيق ستبرز مشكلات وتحديات فنية وعدت الحكومة بالتعامل معها بالقطعة، حيث مخابز ستفتح دون «بيع مباشر»، وأكياس خبز صحية توزع مع بائعي أسطوانات الغاز والمياه، وحيث علاجات وأدوية عبر خدمات التوصيل أيضاً بعد السماح لبعض الصيدليات بالعمل من دون بيع مباشر أيضاً، وعبر توفير سعة إلكترونية من جهة وزارة الاتصالات لبرامج التطبيق المعنية بإيصال الأدوية والمواد. تلك الوصفة على الأرجح هي التي تقررت بخصوص «مواد أساسية» حتى يوم الجمعة المقبل.
والحديث هنا عن الثلاثية الأهم «مياه شرب، وخبز، وأدوية» ضمن بروتوكول التطبيقات والإيصال للمنازل مع بقاء حظر التجول، على أن تبدأ السلطات بدراسة مقترحات إضافية بخصوص المواد الأساسية مع نهاية الأسبوع الحالي، حسب وزير العمل نضال بطاينة.
وتنفيذ هذه البروتوكولات يعني عملياً المجازفة بتوسيع دائرة «المرخص لهم» بالتنقل والمرخص لهم بتقديم الخدمة لمن يستطيعون التنقل بموجب تصاريح من «باعة الأزمة» وبإشراف الأجهزة الأمنية.
لكنها المجازفة الأقل كلفة من تنفيس حظر التجول أو تخفيفه، وعلى الأقل هذا هو القرار الواضح بعد ظهر الاثنين.