رسائل عميقة في حوارات ملك الأردن مع «المكون العشائري»: الوحدة الوطنية والالتفات لـ «الداخل»
تبدو أكثر من انعطافه سياسية الرسالة ومحلية المحتوى.
حوارات بسمان التي ينظمها القصر الملكي الأردني مع وجهاء العشائر والمناطق في المملكة وصلت في نسختها الأخيرة إلى عشائر بئر السبع الأردنية. هنا أيضاً رسالة من المرجعيات لا تقل أهمية عن الأولى بمعنى أن القصر ومؤسسة الملك لجميع الأردنيين بمختلف مكوناتهم. تلك على نحو أو آخر فكرة مجالس بسمان الملكية.
لكن الملك عبد الله الثاني وفي هذه المجالسات مع الوجهاء وشيوخ العشائر وأبناء الأطراف ينوع للإيحاء بالحفاظ على الوحدة الوطنية ويطرح خطاباً بالنتيجة له علاقة بالتحدي الأول والأبرز وهو الملف الاقتصادي.
مع أبناء بئر السبع قال الملك مجدداً إن أولويته انعكاس الخطط الاقتصادية على المواطنين ومع أبناء المنطقة وعشائرها ردد ببساطته المعهودة عبارة من كلمتين تعني ضوءاً أخضر مرجعياً لوقف سياسة التصعيد والجباية الضريبية عندما أبلغ في الاجتماع الأخير بأنه أصدر توجيهاته للحكومة بوقف فرض المزيد من الضرائب. وقالها بوضوح «بكفي ضرائب».. ما الذي يعنيه ذلك عملياً؟
الإجابة على السؤال الصغير الأخير يبدو أن لها علاقة ببرنامج وزير المالية الحالي الدكتور محمد العسعس الذي يعتبر من أكثر الوزراء قرباً من مؤسسة القصر وفهماً بحكم عمله السابق صمن الرؤية الملكية في بناء الاقتصاد. فبناء خطة اقتصادية شاملة بسياق وطني هذه المرة أصبح العنوان العريض لما يجري. لكن مجسات الإعلام الرسمي كالعادة تفلت ما هو أعمق من رسائل ودلالات في حوارات القصر مع العشائر عبر جلسات مجالس بسمان الصريحة وحيث يوجد لاعب مخضرم ومحنك يساهم في إدارة هذا المشهد ويميل في الوقت عينه لعادته القديمة بتجنب أي أضواء وهو مستشار الملك للشؤون العشائرية المهندس سعد هايل السرور.
بصمات المحنك سعد السرور في المشهد وحوارات بالجملة
السرور وهو وزير وبرلماني سابق منذ ربع قرن يدير عن بعد وبصمت شديد وزهد أشد بالأضواء مبادرات التواصل مع العشائر والمكونات المناطقية ووسط إجماع عام بأن المبادرات منتجة هنا وتبدل في قناعات الناس وتخفف من الاحتقان العام يعتقد بأن خبرات السرور واسعة وعميقة دوماً قد تؤهله في مرحلة لاحقة لدور أكبر ومفصلي أكثر.
في التوازي وعندما يتعلق الأمر بالطاقم العامل في مؤسسة الديوان الملكي يبتعد عن المشهد إدارياً وقليلاً الرئيس الحالي للديوان يوسف العيسوي لكن الأهم ان الالتفاتة الملكية نحو المشهد الداخلي باتت استراتيجية عمل اليوم بعد سلسلة طويلة من اجتهادات الفلاتر والأدوات التي كانت تقلص من الاهتمام بالشأن الداخلي.
واضح تماماً ان المؤسسة الملكية وهي عملياً الوحيدة التي يجمع عليها الأردنيون تحاول ملء الفراغات الناتجة عن تقصير الحكومات وبقية المؤسسات. ويبدو ان مرحلة الاعتماد على الذات وإقفال ملف المساعدات والتحديات التي يفرضها اليوم إيقاع الإقليم من العناصر التي تدفع باتجاه محاورة الداخل والتحدث مع الناس ومنح الشأن الداخلي مساحة الاهتمام التي يستحقها، الأمر الذي أنتج عملياً مشهداً أكثر إيجابية في ظل إدارة الطاقم الحالي سواء الموجود في المستوى الأمني أو حتى في إدارة مستشارية العشائر الملكية أو أيضاً في مكتب الملك حيث خبراء تكنوقراطيون يعملون في الظل بدون ضجيج وبفرصة أقل هذه المرة لمنسوب «العمل الشللي» وتشكل المجموعات.
وفي كل حال وفي النتيجة هذه الخلاصات من شأنها أن تسلط الأضواء أكثر على مظاهر القصور في العمل الحكومي حيث تضطر مؤسسات سيادية دوماً لتحمل المسؤولية وإطلاق مبادرات وحيث طاقم وزاري خصوصاً في الجناح الاقتصادي ينقصه الانسجام ولا يتقبله الشارع كثيراً ولا يظهر أنه يتحرك عملياً في ضوء خطة محكمة.
استراتيجية الالتفات للداخل والتحدث مع أبناء العشائر وغيرهم من الأردنيين تبدو اليوم خطة عمل بدلاً من البقاء في حالة الاغتراب مع الناس وبدلاً من التركيز فقط على الملفات الإقليمية والشؤون الدولية حيث يتولى طاقم صغير مصالح الأردن في هذه المساحة معتمداً تماماً على مكانة القيادة الأردنية في الخارج. وبوضوح بعد مجالسات أبناء العشائر عزلت قليلاً الأصوات المرتفعة التي تتجاوز بعض الخطوط الحمراء. وتقلصت حراكات الشارع وحتى بعض نشاطات الحراكات التي ترتدي قميصاً عشائرياً أو تزعم تحدثها باسم البنية القبلية.
ثمة إخفاقات لم يعد المجال يتقبل إنكارها في هذا الملف للحكومة وأيضاً للمؤسسة الأمنية في السابق. واليوم المحاولة جادة لاستعادة المبادرة في التواصل مع الجميع بدون إسقاط الجزء المتعلق باستحقاق العدالة على أساس أن يشمل الحوار والانفتاح كل الطبقات والمكونات الاجتماعية وتتوقف سياسة
واجتهادات الإقصاء والتهميش و«التقميش» والدلال للبعض دون الآخرين.