رسائل «مشفرة» في العمق من «الأمن الأردني» بعد تفكيك «خلية إرهابية» استهدفت إسرائيليين وأمريكيين
اعتقال ومحاكمة شخصين خططا لعمليات قتل بالسلاح والدهس
الإعلان وقتياً وبعد نحو 48 ساعة من استلام أرض الباقورة المستعادة عن تفكيك «خلية إرهابية» صغيرة في الأردن، له ما يبرره سياسياً وأمنياً على أساس «رسالة» تؤكد فيها مؤسسات العمق الأردنية، مجدداً، أولاً التزامها بمتطلبات اتفاقية السلام مع إسرائيل على الأقل أمام المجتمع الدولي.
وثانياً، الإشارة إلى أن الأردن كان وسيبقى محوراً في مستوى الاشتباك ضد الإرهاب العالمي. ويمكن قراءة هذه الحيثيات خلف الأسطر في الإعلان المفاجئ عن لائحة اتهام ضد عنصرين إرهابيين خططا، حسب المسار القضائي للتحقيق الأمني، لاستهداف دبلوماسيين إسرائيليين وأمريكيين في العاصمة عمان.
لائحة الاتهام تتحدث عن أسلحة فردية ومخطط لتصفية أشخاص في السفارتين الإسرائيلية والأمريكية في العاصمة عمان تضمنت استعمال سيارات، وأنجزت الواجب هنا دائرة المخابرات العامة التي فككت الخلية الصغيرة واعتقلت المتهمين وحولتهم إلى المحكمة، وهي مسألة تحتاج إلى أسابيع قبل التحويل إلى محكمة أمن الدولة في العادة.
ليس مفاجئاً سياسياً الإصرار الأمني الأردني على احترام تقاليد حماية مقرات السفارات الأجنبية والدبلوماسيين. وما يقوله باطن التقرير الإخباري الذي نشرته صحيفة «الرأي» الحكومية هو أن عمان، وخلافاً لتل أبيب اليمينية، لا تعتقل زواراً إسرائيليين ولا تكافئ مجرمين بصفة دبلوماسيين مطلوبين بحوادث قتل في الأردن، كما حصل في واقعة سفارة الرابية الشهيرة.
الرسالة نفسها سبق أن عبر عنها وزير الخارجية أيمن الصفدي، عندما أبلغ «القدس العربي» بأن بلاده تحترم المواثيق والأعراف الدبلوماسية، ويقدرها العالم على احترام القانون وأخلاقيات العمل الدبلوماسي، خلافاً لما فعله بنيامين نتنياهو عندما استقبل إسرائيلياً قتل أردنيين وحاول تكريمه.
في المقابل، يكشف الأمن الأردني عن تفكيك خلية إرهابية جديدة خططت لاستهداف دبلوماسيين إسرائيليين وأمريكيين مباشرة بعدما وصف نتنياهو الأردن بأنه «دولة ديكتاتورية يقام معها سلام وهمي» وليس دولة ديمقراطية.
وهي مفارقة مضحكة في مقايسات الناشط السياسي الإسلامي مروان فاعوري، الذي يعتبر مجرماً، مثل نتنياهو، آخر من ينبغي أن يلقي دروساً في أخلاقيات الدول وحتى في السلام الحقيقي، مشيراً في نقاش مع «القدس العربي» إلى أن الحكومة الأردنية ينبغي أن تعيد تعريف من هو الخصم والعدو ومن هو الشريك الحقيقي في ضوء الوقائع التي تثبت بأن للشعب الأردني، دولة وجمهوراً، عدواً واحداً فقط هو إسرائيل كيان الاحتلال الإرهابي.
المسألة في تفصيلات الخلية الإرهابية الجديدة واضحة سياسياً؛ فالأجهزة الأمنية تريد أن تؤكد أمام السفراء الأجانب والمجتمع الدولي بأن الدولة الأردنية «لم تتغير» لهجتها لا على صعيد «السلام «وعملياته وتفصيلاته، ولا على صعيد الاشتباك مع الإرهاب والقدرة على تقديم التصدي له كأولوية، ودفع كلفته، بالرغم من أن الملك عبدالله الثاني يحذر طوال الوقت من أن بقاء الصراع العربي الإسرائيلي ينتج ذريعة لقوى الظلام والتشدد.
برزت وجبة «الشفافية الأمنية» الأردنية بعد ساعات فقط من إخضاع نتنياهو في ملف تسليم الباقورة خلافاً لرغبته ومحاولته التوسط. وبرزت بعد ساعات قليلة من خطاب مخادع لنتنياهو يحاول أن يوهم فيه المجتمع الدولي بأن الأردن غير جاد في عملية السلام وفي الالتزام بمقررات اتفاقية وادي عربة، خصوصاً أن الوضع الانتخابي المعقد لنتنياهو يعتقد أنه دفعه فعلاً لتسليم أراضي الباقورة والغمر فعلياً ومن دون مماطلة، حتى لا يتهم بمخالفة بنود اتفاقية وادي عربة.
وأقر نتنياهو في حديثه الأخير بوجود تعاون مع الأردن في مجال الأمن والمياه، لكنه تحدث عن مشاريع تعرقلها البيروقراطية الأردنية. ورد عليه، سياسياً، الأمن الأردني برسالة تقول ضمنياً بأن التزامات الأردن الأمنية لا تتأثر بالأجندة العدائية لنتنياهو وحكومة اليمين، وبأن التوقيت يؤشر إلى أن واجبات الأمن الأردني لا تزال تحترم اتفاقية السلام وملاحقة ومطاردة خلايا متشددة تحاول رصد وتتبع والاعتداء على دبلوماسيين أمريكيين وإسرائيليين.
يريد نتنياهو القول ضمنياً بأن إسرائيل تروي «عطش الأردنيين»، ويرد عليه العمق الأردني برسالة تقول بأن الأردن لا يزال يقوم بالتزاماته ويساهم في حماية «أمن الإسرائيليين» رغم أن إسرائيل تفتعل كل المشكلات وتجعل صمود أو بقاء اتفاقية وادي عربة أقرب لشبه المستحيل، كما يرى القطب البرلماني صالح العرموطي.
ومثل هذا التلاقح في الرسائل بين عمان وتل أبيب يثبت مجدداً تفصيلات الأزمة الأردنية الإسرائيلية، خصوصاً مع جبهات اليمين خصوصاً أن سلسلة الرسائل الأمنية الأخيرة تحاول تنشيط ذاكرة مؤسسات العمق الإسرائيلية بأن عمان ملتزمة بأساس الشراكة التي تستهدف الأمن والاستقرار في المنطقة، ولا يزال لها دور أساسي ومحوري في «أمن المنطقة»، وحتى إسرائيل.
حصل ذلك طبعاً دون أي محاولة أردنية للعبث في مسألة «المتسلل» الإسرائيلي الذي دخل الأراضي الأردنية بصورة غير شرعية، فيما لم يحصل ذلك مع أردنيين وعبر أراضيهم لعقود طويلة. وحصل أيضاً عندما أحرجت تل أبيب الحكومة الأردنية ورفضت الإفراج عن الأسيرين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي، وبصيغة تثبت مجدداً بأن استعادة الباقورة والغمر أردنياً مشهد حاول نتنياهو وأخفق استثماره لصالح احتفالية تعلي من شأن «وادي عربة».
وهي مناسبة تجاهلها الأردن قصداً قبل الرسائل الأمنية المشفرة المشار إليها مع خطوة ذكية أمنياً وسياسياً تقول .. «جاهزون للعودة إلى نص الاتفاقية في العمق، ونقترح عليكم تغيير قواعد لعبة اليمين ونتنياهو معنا»..هذه العبارة سمعتها «القدس العربي» مباشرة من مسؤول أردني رفيع المستوى.