سؤال الأردن المحير بأثر رجعي «إسرائيلي»: من «فخخ» أنبوب الغاز المصري؟
وحده ودون أكثر من غيره، يظهر سياسي وخبير اقتصادي أردني من وزن المهندس جمال الصرايرة في جملة مفرطة من الحماسة خلف وأمام الستارة لتمرير اتفاقية الغاز الإسرائيلي المثيرة للجدل.
صحيح أن الصرايرة يستند في سرديته للحدث إلى فكرة قوامها أن الغاز «أمريكي» وليس إسرائيلياً، بمعنى أن اتفاقيته وقعت مع شركة أمريكية ضخمة عابرة للقارات اسمها «نوبل إنرجي» وأنه يستخرج بحكم القوة وميزانها دولياً من المياه الإقليمية في البحر المتوسط وليس من مياه سواحل فلسطين المحتلة. وتلك سردية متذاكية سياسياً يبددها فقط بنيامين نتنياهو، لكنها تحاول منع تأزيم المشهد وطنياً.
وقد تقفز به، وهو وزير سابق، مرات عدة، إلى مواقع متقدمة قريباً بعدما تردد اسمه لأول مرة مؤخراً فقط ضمن المرشحين لخلافة مقعد رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز، أو حتى لخلافة مقعد رئيس الديوان الملكي الحالي خصم الأضواء يوسف العيسوي. وبكل حال، لسبب أو لآخر وجد الصرايرة نفسه في بؤرة الحدث، فهو أصلاً يدير شركة البوتاس العملاقة التي اشترت غازاً إسرائيلياً منذ عامين.
بعيداً عن صدقية المعطيات في السردية المشار إليها، تصف وزيرة الطاقة الحالية من جانبها هالة زواتي، الغاز باعتباره غازاً باسم الشركة التي تم توقيع الاتفاق معها دون دراميات إسرائيلية أو أمريكية.
في المقابل، ثمة ظروف واعتبارات تقول الدولة إنها أجبرت البلاد على توقيع تلك الاتفاقية من عام 2014 حيث ضرب منهجي لخط نفط أنبوب الجنوب الناقل للغاز المصري بتوقيع فصائل إرهابية أو جهادية، وبإخفاق ملموس للأمن المصري، وبصيغة غامضة جداً، حيث ضرب هذا الخط مرات عدة قبل تدخل نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جون بايدن، ضاغطاً على الأردن في ذلك الوقت لتوقيع الاتفاقية الإشكالية. طبعاً قد تجد في عمان من يتكهن بجهات إسرائيلية أو أمريكية لها مصلحة بعمليات تفخيخ وتفجير أنبوب الغاز المصري.
لكن وبعد حسابات الربيع العربي المرهقة، وغرق الجميع في فوضى وتداعيات الصراع الإقليمي، لا تجد الوزيرة زواتي ما يمنعها من القول، وبلسان واضح، بأن المسألة استراتيجية وتتعلق بأنبوب ناقل للنفط شمالي البلاد يوازي الآخر المعطوب جنوبي البلاد.
كلاهما في المنطق الاستراتيجي مفيد، ومن الصعب الاعتراض عليه دائماً.
لكن الاعتراض الشعبي والبرلماني هو على مفردة إسرائيل، وعلى كون الغاز مسروقاً من الشعب الفلسطيني ويدفع كلفته المواطن الأردني. وفي حسابات الأفراد والشرائح الشعبوية، وفي حسابات المستفيدين من مشروع الصخر الزيتي في الاتجاه المعاكس، تلك وقائع يمكن الاستثمار فيها ومضايقة الحكومة على أساسها.
لكن في حسابات عقل الدولة، ولد مشروع الغاز الإسرائيلي في لحظة عشوائية ومرتبكة جداً ومخيفة، قوامها الإجابة عن السؤال الآتي: كيف يضمن الأمن الاستراتيجي للدولة الأردنية إدامة وجود كهرباء للإنارة والاستعمال الشعبي والصناعة إذا ما تعطل نقل الغاز المصري لأي سبب وبصرف النظر عن أي مؤامرة؟
يبدو أن الإجابة هنا سهلة على السؤال، لأن الدولة لن تفكر في الشارع وفي الصواب والخطأ عندما يتعلق الأمر بالكهرباء، ولأن الطريقة الوحيدة لإنتاج الكهرباء في الأردن هي بواسطة الغاز، ولأن انقطاع واردات الغاز آنذاك نتج عنه شراء النفط من السوق الدولية وبأسعار ضخمة.
على الأرجح، أنتج أمريكيون أو إسرائيليون أو غيرهم وضعاً قفز بالأردن إلى الحافة في مسألة الطاقة والغاز، فتكدست الاعتبارات وفقاً طبعاً للرواية الرسمية للأحداث أمام صانع القرار الأردني، ومع ضغوط بتوقيع بايدن ورفاقه ولدت اتفاقية الغاز التي ينكأ بنيامين نتنياهو جرح الأردنيين وهو يحتفي بها على أساس أن إسرائيل أصبحت، ولأول مرة، مصدرة للنفط مع أنها لا تستطيع تصدير النفط أصلاً أو الغاز إلا لبلدين شاء قدرهما مجاورة الاحتلال، وهما مصر والأردن.
لذلك وعليه، تبرر الأواسط العميقة إصرار الحكومة على استقبال الغاز الإسرائيلي في الأنبوب الأردني بالرغم من فوضى الشارع واعتراض وحراك البرلمان، خصوصاً أن التجاذب هنا جزء من حملة عامة يقودها ضد خيارات وزارة الطاقة حيتان النفط والطاقة، وهؤلاء – بإقرار بعض المسؤولين – لديهم أصدقاء في البرلمان، وأحياناً في النقابات، وغالب الأحيان في منصات الإعلام الشعبوية أو الرديئة.
ما تقوله ضمنياً الحملات ضد الحكومة الحالية، على الأقل في ملف الطاقة والغاز، هو أنها تحاول تبرئة الحكومات السابقة فقط، بما في ذلك تبرئة وزراء عديدين للطاقة وضعوا المملكة أصلاً، بسبب ضعفهم أو قلة حيلتهم أو ندرة مهاراتهم الفنية وقدراتهم التفاوضية، على الحافة، وتحديداً تلك التي أرادها الأمريكي أو الإسرائيلي أو كلاهما.
بهذا المعنى تكون اتفاقية الغاز سالفة الإشارة ليست في نطاق المسؤولية التاريخية، لا لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، ولا لوزيرة الطاقة الحالية هالة زواتي، التي تحاول بكل مهنية تنظيف ما أنتجه آخرون قبلها في هذه الوزارة، حيث وقعت الاتفاقيات والأوراق، وحيث فات وقت التفاوض وتم تفويت المصالح الوطنية، وحيث أيضاً استحكم بعض حيتان المرحلة.