سؤال “قمة الإحراج الإداري” في الأردن: هل نملك “القدرة” على الإصلاح؟
“زحام” شديد في منطقة “التحقيق – الرقابة” وشبهات عديدة
حسناً.. لا أحد يستطيع إنكار التهامس المختل سياسياً بكل ما هو محبط في صفوف النخبة الأردنية. “جنرال سابق” تقلد أرفع المناصب، ورئيس وزراء سابق بمعيته في طريقهما للتحقيق… تلك كانت التسريبة أو الشائعة الأكثر تداولاً وتهامساً بين رواد الطبقة العليا عشية الانتخابات الأردنية المقبلة، وفي ظل التحديات التي يفرضها فيروس كورونا على الجميع.
لا أحد في الحالة النخبوية يريد أن يقر ويعترف بأن كثرة التسريبات من هذا النوع، بعيداً عن نظام العدالة القضائي، يضر ولا ينفع ولا يمكن اعتباره من صنف “الإنصاف” بقدر تكريسه في سياق “الشعبويات” التي يمكن أن يركب موجتها مسؤول أو إعلامي أو مرشح محتمل للانتخابات المقبلة.
مثل هذا المناخ من “تسميم” الجو العام يترافق في إطار صدفة لا يمكنها أن تكون إلا أردنية، مع تكثيف في التحدث عن الاستثمار واستقطابه وإصلاح البنية الاقتصادية ومعالجة معيقات القطاع الخاص وتشجيع الأردنيين على الإنفاق. وقيلت حتى في القصر الملكي مرات عدة: إحدى المشكلات الأبرز تجنب المسؤولين اتخاذ القرار البيروقراطي. فكيف يمكن لأي موظف عمومي أن يتخذ قراراً والجهات الرقابية متعددة ومن دون مرجعية واحدة، وأحياناً بأداء غير مفهوم في المكان؟
كيف يمكن لأي مسؤول أن يتجرأ ويدعم التطلعات نحو قرارات حقيقية تدعم البنية الاقتصادية دون المجازفة بالوقوف ضمن طابور طويل مزدحم من الخاضعين للتحقيق باتهامات لها علاقة بالفساد، حيث “عقوبات بالجملة” وغير عادلة تتخذ ضد أشخاص وقبل مرحلة التقاضي ودون قرارات محكمة، وبناء على التحقيق فقط، كما حصل مع العشرات من رجال الأعمال؟
تكبر مساحة التساؤلات في الأردن؛ لأن الحقائق “مرة”، والانفلات غير منتظم، والشعبويات بالجملة، خصوصاً في أداء الحكومة التي تعهد رئيسها الدكتور عمر الرزاز بـ”كسر ظهر الفساد” فلم يكسر ظهر إلا المواطن البسيط بارتفاع الأسعار والضرائب حتى اللحظة على الأقل، كما يتصور الناشط السياسي الإسلامي مروان الفاعوري، الذي يصر على التوقف الوطني العميق وتدشين حوارات معمقة تحمي المؤسسة المرجعية وتعيد إنتاج وتحشيد المواطن خلف الدولة.
ثمة من يتصور وطنياً اليوم بأن المبالغة في فتح تحقيقات شبهات الفساد لم تؤدّ الغرض الحقيقي منها، المتمثل بتعزيز مصداقية الدولة في المسار الاقتصادي… وأي رأي منهجي هنا يمكن أن يورط صاحبه بكل علبة الاتهامات التي تبدأ من اتهامه بالدفاع عن اللصوص وتنتهي بسعيه لإعاقة الدولة وخططها في التطهير والتنظيف.
يحصل ذلك طبعاً وسط مجتمع “لا يرحم” من يستدعى حتى كشاهد للتحقيق في أي ملف أو قضية، وكذلك وسط شارع ميال دوماً لاتهام الفساد ورموزه بالمسؤولية عن كل شيء في الإقليم وليس في البلد فقط. ويحصل بالتلازم مع منصات اجتماعية ترصد الصغيرة والكبيرة ويمكنها تشويه أي حقيقة أو وقائع، وإقامة حفلات من “اللطم الوطني” دون ضوابط. وبالتلازم مع حراكات تزعم أنها شعبية تتلقف جزءاً من معلومة وتقيم فوراً استعراضات ومهرجانات التشكيك. وتحقيقات بطيئة ومبالغات في تصريحات المسؤولين وهمسات وشائعات لا يمكن الادعاء بأنها تصدر فقط عن مواطنين مشككين أو معارضين يشوهون الحقائق بقدر ما تخضع أحياناً لتغذية منهجية من داخل السياق الوظيفي والبيروقراطي نفسه، ودون أن يفهم المواطن وأحياناً حتى المسؤول.. لماذا وعلى أي أساس؟
إنها فوضى نخبوية وإدارية “غير مسبوقة” تحدث عنها بتشخيص جريء التقرير الأخير للمجلس الاجتماعي الاقتصادي باسم “حالة البلاد”، وهو يؤكد بأن البلاد لا تزال في “مرحلة انتقالية” مستمرة منذ عام 1989عندما يتعلق الأمر بالديموقراطية، وبأن خدمات القطاع العام في أسوأ أحوالها.
المرحلة الانتقالية ينبغي أن تتوقف… هذا ما قاله التقرير نفسه، ولم تعلق عليه الحكومة إطلاقاً رغم أن كلمة إصلاح ترد على لسان الوزراء ورئيسهم الدكتور الرزاز عشرات المرات يومياً وفي كل المناسبات.
لكن تلك المرحلة لا تتوقف.
ليس في الإصلاح السياسي فقط لا تتوقف المرحلة الانتقالية، بل في كل المسارات تقريباً وعندما يتعلق الأمر بمبادرات الإصلاح الاقتصادي أو تطوير الجهاز القانوني أو تطبيق معايير مواجهة حقيقية للهيئات الرقابية التي تدقق بالفساد والمخالفات مرة أو تلك، التي تحاول استرجاع المال العام مرات.
من المرجح هنا أن توقف التفكير الانتقالي الذي يتباطأ في اتخاذ قرارات ينبغي اتخاذها وبسقف زمني ملائم، هو المطلوب -تماماً وقبل أي اعتبار آخر- تعديله وتصويبه حتى لا يسترسل الجميع في لعبة البقاء “في الأزمة”.
كيف ستتغير الاعتبارات؟… هل ستتغير أصلاً؟.. تلك أسئلة حرجة فعلاً بدأت “القدس العربي” تسمعها تتردد في كل الأروقة والأقنية الرسمية والأهلية، ويستفتي الجميع: إذا ملكنا اليوم الرغبة في الإصلاح والتغيير…فهل نملك القدرة؟ هو طبعاً سؤال يؤسس لـ”قمة الإحراج” الإداري.