عقدة «الرواية الأردنية»… وطنية الإنشاد و«عدمية» التأثير: الأعصاب مشدودة و«تغيير الطاقم» يقترب والجميع يراقب
عمان – «القدس العربي»: لا أحد يمكنه فهم أو حتى قراءة نظام الأولويات عندما يتعلق الأمر بالرد الإعلامي المهني على سلسلة «تسريبات» في وسائل إعلام دولية تسعى إلى تشويه سمعة وصورة الأردن في الخارج والداخل.
لا أحد على الأقل من أوساط المراقبين المهنيين والسياسيين، يفهم ما هو المقصود من ترتيب لقاءات مغلقة مرجعياً تحت لافتة «الصحافة المحلية» في إطار الرد على الرواية السلبية وتسريباتها، فيما تترك وبصورة غامضة قواعد الاشتباك مع الإعلام الدولي على الأقل من جهة الطاقم الاستشاري الذي يدير الأمور في الديوان الملكي الأردني.
وهو طاقم أظهر مؤخراً ضعفاً ملموساً في الاشتباك والمناورة، لا بل في الرد والتعليق وبصورة أنتجت المزيد من التشويش، والرسائل غير الواضحة. وثمة ما يوحي في عمان ووسط نخبتها اليوم، بأن هوامش المبادرة ومعها المناورة في أضعف أحوالها، رغم وجود رؤية فيها الكثير من النبل السياسي والتخطيط للمستقبل على المستوى الملكي مع تواصل ورود قرائن وأدلة على استمرار مسلسل الإخفاقات في المسار التنفيذي والاستشاري للأطقم التي تدير الأمور.
في كل حال، الأردن بصدد محطات تحولية مهمة ومثيرة وأساسية لا تقف عند حدود قرب ولادة وثيقة مرجعية في التحديث الاقتصادي يفترض أنها عابرة للحكومة كما أعلن فقط، بل تتجاوز في اتجاه قرب استشعار العديد من الملفات الحيوية التي جعلت الدولة على أعصاب مشدودة منذ أشهر، ونتائجها وتداعياتها ليس على محور الحراك الشعبي القابل للاشتعال مجدداً عشية شهر رمضان المبارك، لكن على صعيد تحالفات الدول الحليفة والصديقة الكبرى التي تراقب، بحرص واهتمام شديدين، معطيات المرحلة المقبلة في المشهد الأردني الداخلي، خصوصاً أن الخيط الرابط بين سلسلة أحداث مثيرة أصبح من الصعب إنكاره، أو عدم تلمسه ابتداء من معطيات الحراك المزعج بتوقيع المعارض ليث شبيلات، وانتهاء بعدم حسم تكهنات التسريبات الخارجية بالرغم من الانشغال الكوني بالصراع في الأزمة الأوكرانية، ومروراً -بطبيعة الحال- بإصرار بعض القوى المحلية على تفعيل وتنشيط الحراك الشعبي مجدداً، إما قبل شهر رمضان المبارك بأسبوع أو على شكل سهرات رمضانية مجدداً.
وهنا لا بد من الانتباه جيداً إلى وجود مادة دسمة يمكن أن تغذي الحراكات، خصوصاً في حال إخفاق الخطة الحكومية الوقائية بالسيطرة على ارتفاعات الأسعار في مجالي الطاقة والمحروقات والمواد التموينية. والقصور الملموس في معالجة سردية التسريبات التي وصفها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بقوله إنها «تمثل أجندة سوداوية» لا يزال قرينة قوية على بؤس وضعف الأداء الإعلامي تحديداً. وهو ضعف مستقر إلى حد ما، ويقر به وزراء متعاقبون بينهم صخر دودين وفيصل الشبول وكمال الناصر وغيرهم، تحدثوا عدة مرات مع «القدس العربي» عن إشتباك مهني إيجابي على أساس المصارحة والمصالحة مع الذات مهنياً، ثم التعمق في الحلول والمعالجات.
خطة الحكومة في المشهد الإعلامي تبدو طموحة، لكن لم يعرف بعد ما إذا كانت الأدوات والرموز الوظيفية في مؤسسات أخرى بالدولة قد تساندها أو تخنقها مجدداً، حيث الانطباع متكرس بأن سردية التسريبات الأخيرة ألحقت ضرراً بالغاً وكشفت ظهر العيوب العميقة في الاشتباك الإعلامي تحديداً، حيث رواية أردنية للحدث وطنية المنشأ لكنها عبثية التأثير وعدمية البصمة، وحيث مناطق مهنية في الإعلام الدولي لا يستطيع الوصل إليها لا الموظفون ولا الإعلاميون المحليون، مما يجدد القناعة بأن رواية الأردن الرسمي لا تغادر، رغم طبيعة التحديات الجديدة، مربع الأناشيد المحلية أو الصالحة للاستهلاك المحلي فقط.
الأزمة عموماً يصر المحلل الاقتصادي الاستراتيجي الدكتور أنور الخفش، وأمام «القدس العربي»، على أنها أعمق مما يعتقد الجميع، وتحديداً الطاقم الذي يدير الأمور بطرق غير واضحة. ويضم الخفش صوته إلى كل تلك الأصوات التي تحذر من الاسترسال في نشاطات قد لا تكون مهنية أو منتجة، معتبراً أن الاستدراك والتركيز أكثر على مقاربات فعالة ليس فقط في مستوى التخطيط الاقتصادي لكن أيضاً في مستوى بناء الرواية الأردنية، هو الوصفة الأفضل؛ لأن مستوى الحساسية في الملفات يرتفع إلى حد كبير وغير مسبوق، ولأن جهات متعددة تراقب عملياً وضمنياً اليوم ما جرى في الأردن منذ أبريل/نيسان الماضي حيث الفتنة الشهيرة وتداعياتها، بل وتراقب أيضاً وبالتوازي ما يمكن أن يجري لاحقاً وعلى الأقل في الأسابيع القليلة المتبقية، وسط انطباعات تتكرس أكثر بأن الزاوية تضيق بصورة ملموسة، والحاجة ملحة أكثر لطاقم فاعل وسريع الفعالية بالوقت نفسه على المستوى الوطني، ليس بهدف جبر الكسر لكن أيضاً بهدف احتواء المزيد من الخسائر المتوقعة.
مثل هذا التشخيص يحتاج لجرأة في التقييم، وهي جرأة فيها قدر من المصارحة الرسمية الذاتية التي لا تنفع معها عملياً حوارات ولقاءات مع الإعلام المحلي المضمون بكل الأحوال فقط، ولا نسج روايات منقوصة مهنياً وقابلة للالتهام وتنتج تساؤلات أكثر من الإجابة عليها. ولا ينفع معها أيضاً إجراء عملية عصف ذهني تهدف علناً لتحرير الإمكانات وتحديث المنظومة الاقتصادية بواسطة شخصيات كانت دوماً طرفاً في الأزمات التي يفترض تجاوزها الآن، أو بواسطة آلية وتقنية يشوبها الغموض قليلاً وعنوانها ينطوي على «خطأ بصري ومنهجي» برأي الخبراء، يمكن اختصاره بالسؤال الفني التالي: كيف نصل إلى التخطيط الاقتصادي عبر وصفات استرشادية «كما سميت» بتوقيع وتقاليد وبروتوكولات مدققي حـــسابات؟