عمان «عالقة» بين بيروت وبغداد… و«الجميع» في الأردن يخشى انتقال فيروس وعدوى «عنف الشارع»
محاولات لإدارة الترقب بـ «أعصاب باردة»
تراقب الحكومة الأردنية بأعصاب باردة قدر الإمكان تطورات المشهد الحراكي العنيف في كل من لبنان والعراق أملاً في احتواء أي فيروس مماثل يمكن أن يعبر الحدود ويعيد إنتاج حالة الحراك الشعبي الأردني.
الأردن خلافاً لبقية الساحات لا يحتمل أي عنف في الشارع من أي نوع. ووقوع إصابات وقتلى بالمئات في العراق من العناصر التي يمكن أن تردع الشارع والسلطة في الحالة الأردنية لأجل غير مسمى. لكن دون أن يعني ذلك بأن عدوى التظاهرات والاحتجاجات لن تعبر الحدود، خصوصاً وأن المملكة خارجة للتو وبصعوبة من حراك وإضراب المعلمين الذي أنتج عشرات الأسئلة والتكهنات حول سيناريو حراك متوقع على الأقل في مستوى شرائح موظفي القطاع العام.
يأمل الأردنيون جميعاً بأن تستدرك حكومة بلادهم ولا تسمح بعدوى من أي نوع على صعيد العنف في التعبير والخشونة والأمنية بالمقابل بالعبور لأن جميع الأطراف لها مصلحة ببرودة الأعصاب والتعامل بحكمة وتروٍ مع المعطيات.
في كل حالٍ، يراقب الأردنيون بقلق ما يجري في الساحة العراقية رغم الحقن الطائفي وفوضى الإدارة العراقية ووجود بلد مهشم ودولة أعلنت فشلها، وتكوينها السياسي والطائفي لا يسمح بالتسامح ولا يحتوي غضب الجمهور. يراقب الأردنيون أيضاً ما يجري في لبنان المجاور، حيث احتجاجات شعبية تستخدم لعبة الشارع وقوى تتشارك في الإدارة والحكم، ولا تستطيع التوافق على خطة محددة.
وحيث – وهذا الأهم – مجريات شعبية وشعبوية حضارية خالية من العنف في الجانبين الرسمي والشعبي، لكنها ليست من النوع الذي يمكنه أن يطوي الصفحة بأي طريقة وعلى أساس أن التنازلات حتمية.
بين صورتين الأولى «دموية» قليلاً في العراق، والثانية «مدنية وناعمة» نسبياً في لبنان، يحاول الأردني اليوم تحذير حكومته وتستشعر حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز التي أفرزتها أصلاً قبل أكثر من عام احتجاجات الدوار الرابع تأسيس مسافة آمنة من المبادرة. العنصر الضاغط على أعصاب الأردنيين هو حصرياً وجود عناصر تماثل وتشابه الأسباب والدوافع التي تجعل الاحتجاج في الشارع بمثابة الخيار أو الممر الإجباري للمواطنين، حيث تصعيد ضريبي وارتفاع في الأسعار ونمو في مساحات البطالة والفقر وخطابات ملتهبة تتحدث عن هدر المليارات وشبهات فساد بالجملة.
تلك صورة تدفع الحالة الداخلية الأردنية للمراقبة والمقاربة أيضاً وبطريقة لا تخلو من الإثارة والتأثير، خصوصاً وأن إعلام المنصات الاجتماعية في عمان يتوسع في المقابل في تغطية الأحداث في لبنان والعراق ويحاول قرع جرس الإنذار.
من المبكر القول إن الحكومة الأردنية تحاول استلهام الدرس المستفاد وتجاوز كمين ما يجري في العراق ولبنان، حيث شرائح اجتماعية مرهقة في البلدين خرجت للشارع وتضغط بشدة وتحت لافتة ليست سياسية بل معيشية وإن كانت تندد بالمؤسسات القائمة برلمانياً وتمثيلياً وبالحكومات التي تتولى الإدارة.
الشعارات والهتافات في شوارع بيروت وبغداد مشابهة عملياً لتلك التي سبق أن استعمل بعضها المعلمون في اعتصامهم الشهير، وقبضة الأمن الخشنة مع المعلمين في الأردن كلفت حكومة الرزاز «صفقة مهينة» إلى حد كبير وانطوت على خضوع لنقابة المعلمين وتنفيذ مطالبها.
تعقد أصناف عدة من الاجتماعات في الأردن حالياً في ضوء المجسات والرادارات التي تراقب الشارعين العراقي واللبناني، وسط انطباع بأن شرائح موظفي القطاع العام في طريقها للتنمر وفي أسوأ الأحوال للعصيان، وإن كان خيار العنف مرفوضاً ويدينه الجميع مسبقاً في الأردن، حيث مواطنون يخاطبون القصر الملكي ويطالبون بالإنصاف ولا يريدون الانقلاب على المؤسسات والنظام ويطمحون بعملية «إصلاح حقيقية».
يؤكد الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في الأردن، الشيخ مراد عضايلة، عبر «القدس العربي» بأن حالة الاحتقان موجودة، والطريقة الوحيدة لدفع المجتمع والجميع للاسترخاء هي الإصلاحات الحقيقية والبداية باللعب بقواعد عمل إصلاحية تبدأ من عند تمثيل شعبي وقانون انتخاب حقيقي وعادل.
بكل حال، لا تقول الحكومة الأردنية إن لديها أي وصفة لتجنب حراكات متجددة في الشارع تحت وطأة الضائقة الاقتصادية وضعف القدرة الشرائية للدينار وإلحاح شرائح القطاع العام على زيادة الرواتب وكساد الأسواق وما يصفه رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، بـ»ذوبان» الطبقة الوسطى. في العراق يتحدث الشارع عن أحزاب وتيارات فاسدة لا بد من استئصالها وعن طائفية لصوصية.
وفي لبنان يتحدث المحتجون عن حالة تعارض تامة مع النخب الحاكمة وآليات المحاصصة التي لا تخدم أي مواطن في النهاية كما يتحدثون عن كلفة نخبة الزعامات الوطنية.
في الحالتين، قررت الحكومات في بغداد وبيروت محاولة تهدئة الغضب الشعبي عبر وعود ضد الفساد وتقليص رواتب الوزراء والنواب. وفي عمان الصورة مختلفة قليلاً، فالشارع يشتكي الحكومة للحكم، ولا انحيازات انقلابية أو متمردة على الدولة والمؤسسات حتى اللحظة. لكن الشارع الأردني لم يعد يثق بالمؤسسات ولا بالنخب الموجودة غير المقنعة، ويتصور بأن الملايين تم إهدارها في النهاية على نحو غير وطني، ويعتقد بأن الدولة تتخلى عن «رعاياها».
الأردنيون بمختلف مواقعهم في الشارع وخارطة القوى السياسية وحتى في مؤسسات الدولة عيونهم متمترسة خلف ما يجري في بيروت وبغداد، والجميع يخشى انتقال الفيروسات والعدوى، والخشية هنا يتشارك فيها المواطن والمسؤول، الأمر الذي يمكن استثماره لصالح الاستقرار العام لو استدرك صاحب القرار حتى وإن أصبحت معدلات رواتب الوزراء والنواب وغيرهم الآن هي الهدف.