«غاز إسرائيل» يعيد الحراك للشارع الأردني… وحضور حذر للإسلاميين
رسالة ناعمة قليلاً من جنرال «خشن» ومحاذير «الدوار الرابع» مستمرة
عاد الإسلاميون في الأردن إلى الشارع، لكن بكثافة محسوبة تحاول تجنب خيارات التصعيد والصدام مع الدولة والأجهزة الأمنية.
العنوان هذه المرة هو الأكثر حساسية وإحراجاً: «اتفاقية الغاز الإسرائيلي» التي تثير سلسلة لا متناهية من الغموض والجدال الساخط وأدت إلى المطالبة شعبياً بـ»محاكمة» مسؤولين سابقين من الوزن الثقيل. لافت جداً في مسيرة «الغضب» المعلن عنها ظهر أمس الجمعة وسط العاصمة عمان، مسألتان:
التراكم العددي
أولاً، الإسلاميون حضروا وشاركوا لكنهم تجنبوا التراكم العددي والقيادة للصفوف الأولى.
وثانياً، أن السلطات تعاملت بتعقل في رسالة يقول فيها المرجع الأمني الجديد، الجنرال حسين حواتمة، بأن عهده بعد دمج مؤسسات أمنية لن يبدأ بجملة أمنية خشنة مقابل اعتصام معلن عنه ومنظم وتحت شعار سياسي تتفهمه الدولة. حرصت القوات الأمنية، ظهر أمس، على الإحاطة بالمعتصمين الذين كان عددهم لا يتجاوز عدة آلاف، حيث ساهمت حواجز أمنية في تقليل عدد المشاركين بمسيرة غضب لم يتخللها فعلاً الكثير من الغضب بالرغم من كل ما يقال ضد اتفاقية الغاز المثيرة للجدل.
عملياً، نقل عن الجنرال الحواتمة طوال الوقت أنه قفز إلى موقعه باعتباره يتخذ موقفاً متشدداً من مؤشرات الحراك الشعبي، ويؤمن بالقبضة الأمنية الخشنة، لكن الرسالة كانت مختلفة مع الأداء الأمني الفني في التعاطي مع أول مسيرة شعبية حراكية تنظم وسط عمان العاصمة منذ عدة أشهر. في الجانب المتعلق بوزارة الداخلية تحديداً، الحرص الأمني واضح على تجنب أي تجمع أو فعالية في منطقة الدوار الرابع الحيوية وسط العاصمة.
والخيار الأفضل المقبول بيروقراطياً هو التجمع اعتراضاً أمام البرلمان أو حتى في منطقة المسجد الحسيني المحصورة وسط أسواق المدينة، حيث منطقة ضيقة يمكن السيطرة عليها أمنياً ومن الصعب تحويل التواجد فيها إلى «اعتصام مفتوح».
عبارة الاعتصام المفتوح تثير حساسية السلطات في عمان، وقد عبر عن ذلك وزير الداخلية سلامة حماد، عندما تحدث لـ»القدس العربي» عن احترام حرية التعبير والاعتراض والرأي لكن ليس على أساس التحول لنشاطات دائمة تسيء إلى القانون أو تخالفه أو يتخلله هتاف لا يمكن قبوله ولا يمثل الشعب الأردني ويمس بالمؤسسات ورموز الدولة.
وفي كل حال، جرعة الغضب تجاه اتفاقية الغاز في وجبة التعبير الأولى ظهر أمس الجمعة لم تكن مكثفة أو كبيرة أو يمكنها أن تثير قلق الحكومة والسلطات؛ لأن الاحتشاد كان منظماً وشاركت به قوى شبابية ويسارية وفعاليات حراكية، إضافة إلى عشرات من عناصر التيار الإسلامي وبصيغة لا تحقق كثافة عددية وزخماً جماهيرياً يمكن أن يثير التساؤلات. وبكل حال، سياسياً.. دشن الإسلاميون موسم العودة إلى الشارع عشية إغراق الجميع بحسابات الانتخابات المقبلة، ولكن بكثافة منظمة ومنهجية ودون رسائل أو وسائل صدام مع السلطات.
وقال مئات الأردنيين، نيابة عن ملايين منهم، أمس، «لا» لاتفاقية الغاز سياسياً ووطنياً، وبعدد وصيغة لا تثيران قلق السلطات.
لكن المهم أن الهتافات التي أطلقت تضمنت، إلى جانب التنديد بإسرائيل والتطبيع معها، مطالبة مجلس النواب بالإسراع في مشروعه العلني لإسقاط اتفاقية الغاز الإسرائيلي، رغم أنه مشروع «وهمي» عملياً بدأ بتوقيت متأخر ويتواصل الآن، مع أن كميات الغاز الأولية ضخت في الأنابيب ووصلت فعلاً إلى الأردنيين، فيما يتحدث خبراء مختصون عن عدم وجود إمكانيات إسرائيلية أصلاً لتصدير الغاز إلا للأردن ومصر، الأمر الذي كان فنياً يمكنه أن يخفض الأسعار لو فاوض الأردنيون بكفاءة.
مجدداً، وعلى هامش نسخة الغضب التنفيسية، أمس، صدرت هتافات تطالب بمحاكمات المسؤولين عن توقيع اتفاقية الغاز، مع أن الحكومة أبلغت النواب والرأي العام مرات عدة بأن الاتفاقية لم توقع مع الحكومة الأردنية، بل مع شركة الكهرباء التي تمثل رأس المال الخاص والرسمي، وليس من قبل طاقم وزاري.
سلسلة فعاليات
ومن المرجح أن يلجأ النشطاء المهتمون لتنظيم سلسلة من الفعاليات ضد الغاز الإسرائيلي على مدار الأسبوع، بمعنى أن الشارع متعطش للتنديد بهذه الاتفاقية لعدة أسباب، يعود بعضها للاحتقان العام الداخلي، ولعدم وجود قناعة بأن توقيع الاتفاق كان ضرورياً للغاية ويشكل حاجة ملحة. وأيضاً بسبب الإصرار على أن الاتفاقية مجحفة وتجعل إسرائيل في موقف متقدم جداً من الاستحكام بملف الطاقة الاستراتيجي الأردني، الأمر الذي ينتهي بإنتاج وطرح تساؤلات تبقيها الحكومة الأردنية من دون إجابات وعالقة رغم الجدل العاصف