اراء و مقالات

«فض البرلمان» الأردني: فلترة التوازنات وتشخيص المصلحة

وسط وجود محورين يضغطان ويحددان «الخطوة التالية»

عمان ـ «القدس العربي»: ترك المناخ السياسي الداخلي في الأردن بدون برنامج واضح ومحدد ويتم تعريفه بالخطوة التالية لصدور إرادة فض الدورة الأخيرة للبرلمان، لا يمكن حسابه في سياق التخطيط لترك المساحات فارغة، ولا يمكن قراءته أيضاً باعتباره تمهلاً بيروقراطياً قبل القرار بقدر ما قد يعكس خطوة محسوبة بدقة، مضمونها وفكرتها تجنب أي مغامرة محلية طبعاً للقفز في الهواء.
تنتهي دورة البرلمان الأردني الحالية نهاية الأسبوع الحالي، وتحديداً يوم 11 من الشهر الجاري. وقد صدرت بعد ظهر أمس الإثنين الإرادة الملكية بالمقتضى. ولأن الموعد يحسمه الحكم الدستوري، غرقت الساحة في التأويلات والتكهنات والتراقبات، ما يظهر مجدداً بأن ترك الاحتمالات متساوية لكل سيناريوهات الخطوة التالية بعد فض الدورة هو بحد ذاته السياسة الراشدة المنهجية التي توحي بعدة انطباعات، أبرزها وأولها أن الإصرار على إجراء الانتخابات قبل نهاية عام 2024 أو في نهاية شهر آب المقبل قد لا يعود موعداً مقدساً، ومن بينها الانطباع الذي يتقصد بقاء كل السيناريوهات مطروحة على الطاولة في المسألة المحلية، لأن عملية فلترة وتقييم مصالح شرسة ومعقدة لا تزال تنشط «ولم تحسم بعد» ولأن واحدة من تجليات حملة التجاذب الأخيرة في الشارع الأردني حول عمق وتوسع وامتداد الحراك الشعبي المناصر لغزة والمقاومة هي تلك التي طرحت على الجميع في الدولة والمجتمع اليوم سؤالاً في غاية الأهمية، ويبدو أن الجواب عليه قد يتأخر: كيف نشخص المصلحة العامة والمرحلية ونوازن بين الاعتبارات في ظرف أصبح فيه العدوان الإسرائيلي مفتوحاً على تصعيد محتمل في الإقليم؟
السؤال نفسه يمكن صياغته بلغة أبسط: ما هو المسار الذي ينبغي اتخاذه بعد بروز محورين ضاغطين على القرار السياسي الأردني، هما المقاومة والشارع. والإخوان المسلمون في المحور الأول، ويقابلهما في المحور الثاني شبكة الحلفاء من الدول الشقيقة والصديقة وأجندتها، ومطالب واحتياجات بقاء التحالف معها قائم أو منعها مستقبلاً من الشغب على الأردن؟
طرحت مثل هذه الأسئلة بقوة الآن في عمق النقاش الأردني العام؛ لأن قناة العربية مثلاً بحثت باهتمام طوال الأسبوعين الماضيين عن شخصيات سياسية أو إعلامية محلية تظهر لتطالب بالحد من الحراك الشعبي المناصر لغزة، فيما منبر إعلامي آخر مثل «سكاي نيوز» امتد نفوذه وسط الموظفين والمستشارين، حتى إن وزيراً في الحكومة اختاره دون غيره لإطلاق أول رسالة تحذير بنصيحة نقدية علنية هذه المرة ضد قادة المقاومة الفلسطينية، وتحديداً من حركة حماس.

وسط وجود محورين يضغطان ويحددان «الخطوة التالية»

تلك مفارقات في المشهد السياسي والإعلامي الأردني تعني بكل بساطة أن التوازن الحكيم الراشد في لعبة المصالح والاتجاهات المتعاكسة أصبح مطلوباً بامتياز، كما تعني أن عملية الفلترة العميقة لم تحسم بعد.
لذا، من الطبيعي ليس حصول مراجعات لمسائل جوهرية مثل السماح بحق التعبير ضد العدوان الإسرائيلي للجمهور أو مثل التراجع عن خطاب الثوابت الأردني المعلن، بل العمل في اتجاه مسار يوازن ما بين الاعتبارات الداخلية الوطنية الأساسية ومتطلبات البقاء بعلاقة طيبة مع دول المحور المضاد لدول وأطراف محور المقاومة.
طوال 6 أشهر – وهذه طبعاً ملاحظة قدمها لـ «القدس العربي» خبير مثل الدكتور محمد الحلايقة- أدارت البوصلة الأردنية الرسمية بحكمة وتعقل. وطوال 6 أشهر، شهد الأردنيون حالة توحد منتجة، ولا بد من الاستثمار فيها دوماً بين الموقفين الشعبي والرسمي. لكن ما حصل عشية الشهر السابع لمعركة طوفان الأقصى هجمة معاكسة على الأردن والأردنيين من جهة المحور الإبراهيمي، الذي لا يخفي سياسيون من بينهم الدكتور مدوح العبادي، شعورهم بأنه دخل في القلق بسبب صمود المقاومة طوال هذه الأشهر، ويحاول الآن التعبير عن القلق ليس فقط بالضغط على الأردن، لكن بالتدخل في شأنه الداخلي. ذلك كان طبعاً من الخطوط الحمراء للصديق قبل العدو.
لكن انشغال نخب مجالس الوزراء والأعيان والنواب وصالونات النميمة السياسية بانتظار قرار فض دورة البرلمان الأخيرة، وما بعده يقدم القرينة الأهم على أن مزاج النخبة السياسية الأردنية لم يدرك بعد أن الحسابات معقدة الآن، وبأنها قد تؤثر في السياسات والاتجاهات.
خطوة مثل تحديد موعد الانتخابات في ظل مناخ شعبي مناصر لحماس في المقاومة ينبغي أن تحسب جيداً من زاوية مصالح ما يسميه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بالفضاء الطبيعي لشراكات وتحالفات الأردن.
وخطوة مثل توظيف الحراك الشعبي الأردني كورقة رابحة في مواجهة اليمين الإسرائيلي قد يوازيها دوماً تحرشات ومشاغبات تنتج عن ذباب إلكتروني ناشط جداً في الدول التي لا تصفق ولا ترحب بالمقاومة، رغم أن الصدى الذي حققه رئيس الوزراء الأسبق المخضرم علي أبو الراغب عندما نقلت عنه «القدس العربي» الربط العميق بين مصالح الأردن وصمود المقاومة، حقق معدلات قياسية من المتابعة والإشادة.
في المقابل، خطوة ثالثة مثل الدعوة لانتخابات عامة وتشكيل طاقم وزاري جديد على مقدار رسم البيكار المرتبط بمسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد حصراً، ستشغل الدولة والناس ومعهما الصالونات بتداعيات لا تنتهي لها علاقة بالأسماء وترميزها مادام المحور الإبراهيمي تحديداً متحفزاً ويقظاً ويلعب بأدواته من حسابات وهمية؛ لأن ما يجري الآن في غزة من صمود للناس والمقاومة لا يلائمه، وعلى أساس أسطوانة اسمها عودة الربيع العربي والإسلام السياسي للواجهة.
عمان وهي تستعد لما بعد إعلان فض الدورة العادية للبرلمان، عليها أن تحدد هوية لاعبين جدد وسط عملية تقاطعات وتعاكسات غير مسبوقة، والتفاصيل مشغولة الآن بأسئلة صغيرة مثل من يكلف بدور أو يختفي عن الشاشة، يغضب من أو يرضي من؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى