فقط في الأردن… ديمقراطية معلبات «السردين»
على الناخب الأردني بدوره أن يطور من خياراته وأدواته ويلجأ للتفكير في الانتخاب خارج الصندوق ويحارب بنفسه مظاهر التزوير الشعبي والتصويت على أساس الهوية الفرعية ومؤشرات التصويت على أساس القرب والصلة والعشيرة والمنطقة
سمعت مؤخرا همسا مقلقا في الحالة الأردنية بعنوان سيناريو لتأجيل الانتخابات البرلمانية المقبلة واللجوء مجددا لـ«التسكين» على الوضع الحالي تجنبا لمفاجآت الشارع.
يعني ذلك ـ لا سمح الله- لو اتخذ القرار إطالة عمر الحكومة الحالية قليلا والبقاء على البرلمان الحالي ومنع الأردنيين بالتالي من التعبير عن أشواقهم لكرامة التمثيل.
وتأجيل انتخابات مستحقة دستوريا وبصيغة لا مبرر لها وطنيا وإن كان البعض يسعى لترويجها مجددا ضمن عملية «تضليل منهجية» للقيادة قبل الناس.
«التسكين» هو الوصفة القديمة الكلاسيكية التي أدت لتراكم أطنان من المشكلات التي تعاني منها المؤسسة حاليا قبل الجمهور.
وهو أقرب لوصفة «صاحب البقالة العتيقة» الذي لا يستطيع التعامل مع منتجات جديدة بل يصر دوما وأبدا على أن بقالته لا تبيع إلا علب السردين التي كانت تستورد قبل 70 عاما من المغرب الشقيق أو «حبوب القضامة» التي يعرفها الأردنيون تاريخيا باعتبارها وسيلة تسلية شعبية قبل مرحلة التلفزيون والإنترنت ومن أيام الإذاعات و«تجوع يا سمك». لن يتجوع السمك هذه المرة.
ولن تصلح حبوب التسالي «القضامة أو غيرها» لإقناع الشعب الأردني ولا مجال للاسترسال المختل في الجلوس في منطقة الأزمة وتفخيخها مجددا بالمزيد من علب السردين والتسكين.
فقط المجتمعات الميتة هي التي تحافظ على التسكين بمؤسساتها وبالوجوه التي يعلم الجميع أنها العنوان الأعرض للأزمة الوطنية الحالية في الأردن.
بقاء الأردنيين مجددا بدون انتخابات عامة وحتى بدون قانون انتخاب حقيقي على أساس تنمية حزبية يعني القصة نفسها من أولها وبأن شيئا لم يتغير بعد في الذهنية التي تخشى التقدم ولا تتطلع إلى الأمام وتحترف تصنيع الأزمات وتخويف صاحب القرار وتتواطأ مجددا على استمرار عملية السحب الشعبي من رصيد المؤسسة والدولة وفي بعض الأحيان النظام.
سيناريو تأجيل الانتخابات في الأردن يشبه «جدع الأنف» ذاتيا ولا يعني إلا أن اللجوء مجددا للوصفات القديمة هو ذريعة الاخفاق والفاشلين.
ونكشف سرا إذا قلنا بأن النخب الموجودة حاليا في البرلمان وخارجه مع احترامنا لبعضها ستتمتع في حال تأجيل الانتخابات بسنة إضافية على الأقل مجانا مع أنها من عناوين أزمة الأدوات هي ومن برمج لها أصلا تحت وطأة كذبة كلفة الاصلاح السياسي على الدولة وتحت وطأة فرية الغرق في مستنقع السيناريو الاصلاحي أو في حضن الإخوان المسلمين.
وهي الأكاذيب نفسها التي استهلكت من قدر ما استعملت لعقود في تأجيل الاصلاح السياسي والإعلاء من قيمة «رداءة التمثيل» وفي «مكيجة» وتزويق العبث بالانتخابات وإرادة الناخبين وتأجيل مواسم مفصلية في الانتخابات والتمثيل.
جالست مؤخرا عددا كبيرا من كبار المسؤولين وصناع القرار ويفاجئني شخصيا مستوى إقرارهم بـ«أزمة الأدوات والتمثيل» ومنسوب الاعتراف بأن بعض الظواهر التي قفز بها لصدارة التمثيل الاجتماعي عبث الصناديق أو الولاء المسموم أصبحت عبئا على الدولة وتحولت إلى مراكز قوى تلتهم كل القيم النبيلة وفي بعض الأحيان تحولت إلى عملية ابتزاز منهجية للدولة ولخياراتها وتحتاج لإدامة ولائها المرضي كل أصناف العلف السياسي وغير السياسي وبطريقة بدأت تثير كل حساسيات الناس والمجتمع والرأي العام.
يفاجئني اليوم أكثر بأن المسؤولين الكبار الذين يتوافقون معنا على «تشخيص الأزمة» ويقرون بضرورة وجود «تمثيل مؤسسي شعبي منطقي» وبأهمية إحياء دور سلطة التشريع في الايقاع العام هم أنفسهم الذين يقررون ترك المبادرات ولا يناقشون الهوامش التي تصدر عن سياسيين مراهقين بعنوان تمديد ولاية البرلمان الحالي.
كيف يمكن بكل بساطة إعداد طبق العجة بدون تكسير بعض البيض؟.
سؤال قديم ومطروح ولا يزال مطروحا في الحالة الأردنية حيث عملية «تجريف متخابثة» تجري حاليا لإقناع القرار بتأجيل الانتخابات على مقاس حكومة محددة حتى يطول عمرها وعلى مقاس أعضاء برلمان يعرف القاصي والداني أن بعضهم لا يمثلون أحدا من الشارع الأردني.
هذا التجريف السياسي ليس أكثر من تجديف سيثقب السفينة ولن يساعد بوصلة الدولة والقرار في تجاوز سلسلة أزمات متراكمة لا يمكن العبور منها إلا بتجديد العقد مع الناس والتواصل معهم وتمكينهم من إيصال ممثلين حقيقيين لهم إلى قبة البرلمان حتى يتشارك الجميع المسؤولية في مرحلة مغرقة في الحساسية.
أحذر وبشدة من الألعاب البهلوانية التي يحاول البعض تنفيذها الآن بذرائع خائبة وفاشلة للحفاظ على «خريطة قوى الوضع الراهن» فأي معارض أو حراكي أو مواطن صالح يصل عبر الصناديق للبرلمان «مكسب وطني» للدولة قبل المواطنين وأي حزب برامجي مسيس يوصل عدة نواب قفزة لصالح ثوابت الدولة حيث لا يوجد تمثيل لهوية الأردني السياسية اليوم إلا دولته ومؤسساته وقيادته.
وحتى نصدق القول مع الجميع على الناخب الأردني بدوره أن يطور من خياراته وأدواته ويلجأ لمرة واحدة للتفكير في الانتخاب خارج الصندوق ويحارب بنفسه وبيده مظاهر التزوير الشعبي والتصويت على أساس الهوية الفرعية ومؤشرات التصويت على أساس القرب والصلة والعشيرة والمنطقة.
لا يكفي أن نطالب الدولة بانتخابات حرة ونزيهة في وقتها الدستوري.
بل المطلوب من الناخب أيضا في الشارع الوقوف عن التصويت لـ«علب السردين».