في الأردن «اقنص واهرب»… الانتهازية «الانتخابية» تسبق تشكيل «تيارات»
«ماكياج» سياسي بالجملة والهدف «أول رئيس وزراء شبه منتخب»
القلق واضح على مؤشرات صناعة تيار سياسي برلماني باتجاه وطني عشية الانتهازية الانتخابية في الأردن وبتوقيع عضو مجلس النواب الطموح أحمد الصفدي.
رفيق الصفدي في تجربة تأسيس تيار لا يزال غامضاً، ووزير الداخلية الأسبق النائب والجنرال مازن القاضي كلف قبل يومين برئاسة اللجنة التي تتولى الرد على خطاب العرش الملكي. تلك مهمة بالعادة تناط بكبار المشرعين.
وتؤشر المسألة بالتالي إلى أن التيار المشار إليه يزاحم في الواقع والخريطة، ويحاول راعيه ومؤسسه الشاب الصفدي المزاحمة به وعبره، أملاً في تأسيس كتلة مؤثرة تسبق الانتخابات المقبلة في برلمان عام 2020.
خلافاً لذلك، يفكر المخضرم رئيس مجلس النواب الحالي عاطف طراونة بتيار مماثل في الاتجاه المعاكس لتجربة لديها مشكلات في النشوء والارتقاء ولا تزال تحبو بتوقيع الصفدي.
يعمل الطراونة مع دعاة تمحور تياراتي حالياً، وينظم ويحضر اجتماعات وولائم رغم أنه أعلن سابقاً عدم نيته خوض الانتخابات العامة المقبلة، وبالتالي الانسحاب من المشهد البرلماني مع تأكيده- حصرياً ورداً على استفسار لـ «القدس العربي»، على أن ذلك لا ينسحب على «الانسحاب من العمل العام».
التعبير الأخير عشية التحضير لمشهد انتخابي مؤثر في الأردن قد يكون برأي مفسرين من صدارة النخبة بطموح الطراونة لركوب موجة «أول رئيس وزراء لحكومة منتخبة» في حال وصول البلاد والعباد إلى مرحلة من هذا النوع عشية حراكات تحاول الانتقال إلى مستوى تنفيذ «الأوراق الملكية النقاشية» وتقترح تعديلات دستورية.
ثمة طامحون كثر مع زهد الزعامات الوطنية في المواقع أو إقصائها عن المشهد بالمنافسة لركوب مثل هذه الموجة، وقد التقطت «القدس العربي» مبكراً مثل هذه الإشارات من لاعب حديث العهد في العمل السياسي من صنف النائب الصفدي ومباشرة، مع أن الفكرة التي يطرحها الطراونة مثلاً مختلفة وتبدو متزنة أكثر.
لافت جداً في السياق أن المنافسة هنا على مساحة غير مفهومة بعد ولا أحد يعلم مسبقاً كيف ستصلها بلاد، الدولة فيها مرهقة، ونخبتها تائهة، والخيارات محدودة وأحلاها مرة، مع مصاعب في المسألة الاقتصادية.
في كل حال، يريد عديدون وضع «الماكياج « اللازم لمرحلة قد تحتاج فيها الدولة لاحقاً إلى «رئيس وزراء شبه منتخب» أو على الأقل «يوصي به منتخبون»، ولديه «تأثير كتلوي وازن» في البرلمان وسلطة التشريع، يمكنه أن يدير ما تحت القبة وما خارجها في الوقت نفسه. ثمة عدد محدود جداً من السياسيين يمكنه لعب مثل هذا الدور.
لكن المرحلة صعبة وحادة برأي مخضرم تحدثت معه «القدس العربي» في السياق، من وزن الرئيس طاهر المصري، ليس لسبب، ولكن لأن التحديات كبيرة، خصوصاً على صعيد نمو مشروع اليمين الإسرائيلي في «تصفية» القضية الفلسطينية.
حلفاء للدولة، أو ساهمت هي أصلاً في فرصتهم وصناعة حضورهم، يحاولون اليوم التأثير في مجريات الأمور واستباق مرحلة الانتخابات المقبلة، ليس على أساس بصمة شخصية فقط بمنطق «الشراكة في القرار» بل وفي الإدارة، وفي بعض الأحيان الحكم ضمن مسلسل انتهازية متنامية لافت جداً أنها لا تصدر اليوم عن المعارضة ولا عن الأخوان المسلمين ولا عن أجندات خارجية بقدر ما تصدر عن «أبناء الدولة والنظام».
ذلك تطور حاد ومفصلي في الإيقاع النخبوي والحياة العامة في الأردن، حيث شعور واهم بأن الدولة تتراجع لأن خدماتها تتراجع أصلاً بموجب تقرير «حالة البلاد» الصادر عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي. وهو شعور بدأت تزيد بخلطته الحساسة تركيبة الانتهازية السياسية والطموح الشخصاني، وعند أشخاص من الصعب تخيلهم أكثر من «محسوبين على صدفة» أنتجتها الدولة نفسها، في الوقت الذي لا يجد فيه أمين عام أهم حزب معارض في المملكة، الشيخ مراد عضايلة، ما يمنعه من القول وبوضوح لـ»القدس العربي» بأن «ما ينقص من صلاحيات» الإدارة العليا اليوم في الدولة ثمة مستفيد واحد منه هو «العدو الإسرائيلي».
بعض المنتفعين من مغامرات ومجازفات وتقسيمات المستوى الأمني في الماضي، عيونهم اليوم على «تقميش وتفصيل» مواقع مؤثرة جداً في خارطة التمثيل الانتخابي عشية انتخابات مثيرة، وقد تضطر الجهات الرسمية إلى زيادة جرعة «النزاهة» برفقتها.
وثمة تجمع له علاقة بما كان يسميه دوماً الدكتور رجائي المعشر بـ»الحقوق المكتسبة» يحاول الاقتصاص والاقتناص عبر فرض قواعد لعبته الذاتية عشية انتخابات مقبلة ومحرجة، وبصيغة تستثمر في الأزمة وتراكم «مصالح الذات» التي طالب الملك عبد الله الثاني شخصياً، ومرات عدة، بإنكارها ولو نسبياً؛ من أجل العبور من مرحلة صعبة والتطلع للمستقبل.
لا يوجد ما يوحي بأن التفصلات المقترحة قد تصلح لبناء صورة مستقبلية عن انتخابات 2019- 2020. لكن الزحام واضح ومبكر في منطقة «اقنص واهرب» مرحلياً وفي منطقة وضع الماكياج مسبقاً من أجل الزعامة وعلى أساس التمثيل الشعبي، الأمر الذي لم يجربه أصلاً أبناء الدولة في الماضي.