كيف نحمي «المؤسسة الملكية» بينما سفارات غربية تحاول التفريق بين «الأردني» ومؤسساته؟
دبلوماسيون نشطون يصطادون مغفلين محليين والحكومة في «غفلة»
ينشط سفراء ودبلوماسيون وأحياناً متفاعلون محليون مع أفكارهم بشكل ملحوظ في اتجاه تأسيس مسافة بين الأردنيين ومؤسستهم الملكية وبصيغة تنطوي على احتمالات وسيناريوهات التشويش. بسبب غياب مفهوم الأمن السياسي العميق لا تلتقط مثل هذه الإشارات، خصوصاً في ظل الانشغال بمفاهيم معلبة تحت عنوان الاحتواء الأمني، مثل القبضة الخشنة واستعادة هيبة الدولة.
في المقابل، الأزمة الاقتصادية الحادة والوضع المالي المأزوم لخزينة الدولة وغياب المهارات في اللعب الدبلوماسي على مستوى الإقليم.. عناصر ضاغطة بدورها على تلك المبادرات والحراكات الدبلوماسية التي بدأت تتحدث مع الأردنيين ومكوناتهم بعيداً عن مؤسساتهم وبدونها.
الأردن سياسياً لا يريد مواجهة في ظرف حساس مع المجتمع الدبلوماسي الغربي في العاصمة عمان. لكن نشطاء في سفارات غربية، وتحديداً في ثلاث منها، يحاولون إنتاج تصور عام يدعي الاستماع لإيقاع ونبض الشارع ومكوناته ويحاول نقل الرسائل مع المؤسسات. يحصل ذلك مع جرعة معاكسة ومخالفة للأعراف الدبلوماسية برؤية نقدية في بعض الأحيان للحكومة وسياساتها. فعل ذلك الطاقم الجديد في إدارة السفارة الأمريكية في العاصمة. وفعل ذلك أيضاً بعض أركان السفارة البريطانية.
ومن جديد بدأت السفارة الألمانية تبحث عن موطئ قدم لها في الواقع الأهلي والمدني في الأردن، وتطرح تعليقات نقدية مستندة إلى أن ألمانيا هي الممول الثاني للمساعدات بعد الولايات المتحدة.
ترصد مثل هذه التحولات بالتوازي مع نشاط نقدي هو الآخر أثار انزعاج مؤسسات القرار للسفارة السعودية أيضاً في عهد السفير الأسبق الأمير خالد بن فيصل، الذي أطاحت بموقعه ووظيفته حادثة إشعال السيجارة لشخصية قطرية في صالة كبار الزوار بمطار عمان الدولي.
يبدو الموظفون الرسميون إزاء مثل هذه التحرشات والمناكفات الدبلوماسية من سفارات الغرب والسعودية أكثر ميلاً للتبرير والتغاضي، وفي بعض الأحيان إظهار الخجل في التعاطي مع المشهد والموقف، حتى أن أردنيين خبراء ومستقلين هم الذين يرصدون ويتابعون هذه الأجندة الغامضة أكثر من وزراء وموظفين يقتضي واجبهم التصرف.
هنا تبرز إشكالية صامتة لا تحب النخب الأردنية التحدث عنها، حيث محاولة أصبح من الصعب إخفاؤها للتعامل مع المكونات الاجتماعية الأردنية بصرف النظر عن هويتها باعتبارها وحدة منفصلة، ثم تبني خطاب مختلف للتعاطي مع المؤسسات الرسمية بما فيها بعض السيادية.
مثل هذا التنميط لا يمكنه أن يكون بريئاً للغاية. والأسوأ في السيناريو أن نشطاء أردنيين يعارضون أو يناكفون بين الحين والآخر، وبينهم من أبناء الدولة وصناعتها، يكثرون من الكلام والتحليل في أحضان السفراء والدبلوماسيين. والأسوأ هنا أن من لديه كلمة أو عبارة ضد الحكومة، أو كان غاضباً لأي سبب من إجراء، أو طالته ماكينة الإحالة على التقاعد، يسمح عند التفاعل بتأسيس مسافة حرص الأردنيون طول عقود على تهميشها بين المؤسسة والدولة والنظام وبين الجمهور.
تلك طبعاً لعبة دبلوماسية متخابثة تصاعدت في العامين الأخيرين ووجدت مساحة واسعة من المغفلين المحليين الذين يمكنهم التورط بها بعلم أو جهل أو من دونهما.
سمعت «القدس العربي» مباشرة من مسؤول متقدم في دوائر القرار تقييماً يؤشر إلى الانتباه المبكر لهذه المفارقة.
وفقاً لتعبيرات المسؤول المشار إليه يمكن القول بأن الحلقة الأسوأ في مسلسل استهداف الأردن، قيادة وشعباً، هي تلك التي تحاول التعامل مع الأردنيين بمعزل عن مؤسساتهم المرجعية. الأكثر حساسية من التغافل الرسمي عن تلك الحراكات الناعمة والعميقة هو أن أحداً في الحكومة الحالية لا يحاول الالتفات أو الالتفاف على أجندة من هذا النوع.
في المقابل، ينشط تيار نخبوي وطني مستقل يلتقط الإشارات الحساسة باتجاه التفكير بمبادرة تتصدى لهذه الأجندة وتحاول الإجابة على السؤال التالي: كيف نحمي المؤسسة الملكية ؟ كيف نمنع الخطاب المزدوج الذي يحاول التأسيس لمسافة بين الأردنيين ومملكتهم؟
تنشط هذه النخبة من الشخصيات الوطنية بصمت وهدوء خلف الستارة، ليس من باب الافتقار إلى الجرأة، ولكن من باب الخشية من تأويلات مراهقة عند أي محاولة للإجابة على السؤال المشار إليه، وتحديداً من قبل موظفين أو مستشارين أو مسؤولين مراهقين، ولا يحتملون فكرة حراك وطني مستقل خارج العلبة الكلاسيكية، ويتجاهل الشللية تحت لافتة حماية الدستور والملكية.
تعلم «القدس العربي» هنا ببعض هذه الحوارات التي تحاول الاستناد مجدداً وبصورة وسطية معتدلة ناضجة إلى وثائق مرجعية صدرت باسم الملك عبد الله الثاني تحت لافتة الأوراق النقاشية الملكية.
بالنسبة إلى هؤلاء، تشكل الأوراق النقاشية مادة خصبة ودسمة للتوافق وطنياً وشعبياً على طريق سلامة يضمن للأردنيين ملاذات آمنة في مواجهة أجندات تفريقيه في الداخل أو من الخارج. ويبقى أن يعلق الجرس هنا وتصطاد المؤسسات الدستورية ما هو عميق وجوهري في مبادرة مستقلة من هذا النوع، وتحاول التقاطع معها من أجل المصلحة العامة بدلاً من تشويهها أو اتهامها كما يحصل بالعادة.