اراء و مقالات

مأساة غزة وتداعياتها تطغى على ملفات ساخنة في الأردن

«طوفان الأقصى» لاعب أساسي مركزي في الانتخابات

عمان ـ «القدس العربي»: «ألا تلاحظون الفتور الشعبي عند الأردنيين تجاه تفصيلات مبادرة العفو العام؟». كانت تلك عبارة بصيغة «سؤال استفهامي» سمعتها «القدس العربي» من أحد كبار المسؤولين في جلسة تخللها «نقاش سياسي» في الملفات الأساسية وعلى رأسها «انتخابات عام 2024».
تختصر الملاحظة هامشاً لا يستهان به من استفسارات سياسية عميقة تحاول تتبع الوسيلة الأفضل التي لا تقف عند حدود «إعادة ضبط الرأي العام والشارع» عبر صناعة «البهجة» في أوساطه فقط، بل تتعدى في اتجاه اقتراح «أفضل الوسائل والتقنيات» لإجراء وتنظيم «انتخابات فعالة» تليق إجرائياً برؤية تحديث المسار السياسي. لذلك، وصف عضو البرلمان يزن شديفات على هامش نقاش مع «القدس العربي» الانتخابات التي يفترض أن يتقرر قريباً بأنها «استثنائية ومهمة للغاية».
ولذلك وقبل ذلك، وصف القيادي البارز في المعارضة الشيخ مراد عضايلة معركة طوفان الأقصى بأنها «معركة الشعب الأردني» وسقط الانشغال بهموم الملف الانتخابي في خطاب الشيخ العضايلة لصالح الانشغال بالأهم، وهو «المعركة التي لو انتصرت فيها إسرائيل لا سمح الله، ستنتهي بتهجير الضفة الغربية إلى شرق الأردن». لم تحصل مقاربة العضايلة العميقة على ما تستحقه من نقاش ومتابعة وفهم. والسبب على الأرجح برأي سياسي مخضرم ومحنك مثل الدكتور ممدوح العبادي، واضح وبسيط، وهو «نفوذ شريحة التكيف وخيارات اللحاق والتبعية لسيناريوهات دول عربية أخرى، لا تعرف شيئاً عن الأردنيين ولا عن أطماع اليمين الإسرائيلي ببلادهم.
وهنا لسبب أو لآخر، بدأت أوساط وصالونات عمان تنغمس في نقاش مرصود وملحوظ ربط بين ملفي شغف الشارع والرأي العام بـ «الانتخابات أولاً» وبـ«تطبيقات العفو العام ثانياً».
تلك بالتأكيد مفاجأة «اجتماعية» تحتاج لوقفة تأملية في عمق الدولة ونخبها، فأحد أبرز الأهداف «التكتيكية» الأعمق لـ «العفو العام» كان «التمهيد بإيجابية» لانتخابات 2024 ومنح الأردنيين عموماً فرصة للتسامح الوطني العام لإشاعة أجواء إيجابية اجتماعياً تسبق «انتخابات مقررة».

«طوفان الأقصى» لاعب أساسي مركزي في الانتخابات

يوافق قطب البرلمان خليل عطية، على استنتاج «القدس العربي» القائل بأن العفو العام كان فرصة حكيمة وكبيرة ومؤثرة تمثل استجابة بالتوجيه الملكي لإعادة إنتاج المزاج الاجتماعي وعلى الاستنتاج بأن التزامن في ثنائية العفو والانتخابات مقاربة وطنية في منتهى التفاعل الإيجابي، شريطة أن «لا تفسد الجهات التنفيذية» فرحة المواطنين وتطلعاتهم في المسارين ولا الرؤية الأكثر حكمة والأبعد نظراً وراء التطلعات المرجعية الملكية. كيف يمكن أن تتم ضمانة «الأداء» في الحكومة والمؤسسات بحيث يحقق الهدفان، الانتخابات والعفو، المأمول منهما في ظل مناخ الحرب والعدوان والإقليم المضطرب والأزمة الاقتصادية الخانقة؟ سؤال يراه كثيرون، وبينهم العبادي وعطية، مشروعاً ومهماً.
لكن الإجابة قد لا تكون متاحة أو حاضرة في ظل سعي عدة «شرعيات وسلطات»؛ إما لإثبات جدوى تصورها، أو لتنفيذ أجندتها وفرض إيقاعها على الشارع وعلى الملفين. وسر الصعوبة في البحث عن «إجابة» على سؤال «مهم وعالق» يكمن في الفهم العام الذي قدر بأن «العفو العام» استبق زمنياً وبأسابيع قليلة «موعد الانتخابات النيابية الذي لم يتقرر بعد» بصورة قصدية.
ولتحقيق أكبر سقف ممكن في إشاعة الإيجابية وطنياً وسط الناس، ليس فقط لكي يتمتع المجتمع بنتائج «العفو» ولكن لكي «يشارك في الانتخابات بحماسة» ويقبل على الصناديق.
عملياً، لا توجد وسيلة لـ «جذب أردنيين» أكثر لصناديق الاقتراع في انتخابات 2024 التي ستعقد غالباً في زمن وعهد «معركة طوفان الأقصى» أفضل من تلك التي تقررت مرجعياً بتوجيه الحكومة لإصدار قانون «العفو العام».
مثل هذا الربط يضرب أو يراد له بالعمق أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد، ولذلك حصراً ومن باب التحليل السياسي يمكن القول إن العفو العام خطوة يفترض أن تمهد للانتخابات.
وكلاهما؛ أي الانتخابات والعفو، يفترض أن يعكسا اليقين الذي تقرر بغطاء سياسي ومرجعي نحو «مئوية الدولة الجديدة» بعنوان «تحديث منظومات الدولة» سياسياً واقتصادياً وإدارياً. ومن هنا يمكن لمس ذلك الاستنتاج القائل إن العفو ضمن «حزمة» مقررة سلفاً تشمل الانتخابات وتفاصيل ما بعد برلمان الأحزاب، على أساس الرغبة في تأكيد الرسائل المعلنة وغير المعلنة القائلة إن تحديث المسارات وبعد التوافق هو «الخطة المتاحة والمقررة الآن».
مبكراً، وصل عضو مجلس النواب النشط الدكتور خير أبو صعليك وآخرون، بينهم رئيس الهيئة المستقلة موسى معايطة وحتى رئيس اللجنة الملكية العريضة التي صاغت وثائق المسارات سمير الرفاعي، إلى تلك «القناعات». وقد استمعت «القدس العربي» لثلاثتهم في هذا السياق. ومبكراً أيضاً، طرح سؤال: «الأزمة في القرار أم في الإدارة والمؤسسات والأدوات؟».
المعنى هنا واضح حتى لشخصية برلمانية وازنة مثل عطية تقدر أن «تحديث المنظومات» هو رؤية بمسارات تقررت مرجعياً، و«أخطاء التنفيذ والاستجابة» ـ إن حصلت أو عندما تحصل ـ هي ضمن مسؤولية المؤسسات التنفيذية التي يقتضي واجبها دعم الرؤية قولاً وفعلاً وليس «إعاقتها».
ولأن «مسارات التحديث» هي المقررة مستقبلاً وبدأت بالقطعة والتقسيط، أصبحت الانتخابات الوشيكة «مهمة جداً» لتثبيت ركائز الرؤية سياسياً، والنسخة المقبلة للانتخابات تطلبت توفير مناخات ملائمة وسط الناس تجنباً لتكرار تجربة «الأغلبية الصامتة» الأمر الذي يجعل «العفو العام» خطوة في الاتجاه المنتج والسليم لتحقيق أكبر قدر ممكن من «استجابة الجمهور» للانتخابات ثم للمسار التحديثي برمته أملاً في «شرعنته أكثر».
ما حصل باختصار أن «يوم 7 أكتوبر» العاصف حل واخترق وتسلل لكل المعطيات المحلية للأردنيين. وما يحصل الآن أن معركة «طوفان الأقصى» أصبحت «اللاعب الأساسي» المركزي في الانتخابات وغيرها أو في طريقها لأن تصبح.
«الفتور» الذي قد يعتري جزئية «إقبال المواطنين على العمل الحزبي وصناديق الاقتراع» وهو الآن لغز سياسي بامتياز، يجيب عن سؤال في غاية الأهمية سمعته «القدس العربي» يتردد على لسان سياسيين كبار مؤخراً: الأردنيون كانوا يقلقون الدنيا عندما يصدر عفو عام بالعادة.. لماذا يتعاملون اليوم ببرود ملحوظ؟
طبعاً، لا يحب المسؤول الذي يقترح السؤال أصلاً الإجابة المتاحة عليه والتي تقرع الأجراس ثم تقول باختصار ما تجرأ فقط الشيخ العضايلة على طرحه.. «إنها غزة، وما يحصل لها يا سادة وما سيحصل بعدها في خيال الأردنيين».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى