متى شعر وزير الصحة الأردني بـ «ألم شديد»؟… جرائم الفيروس تتسلل إلى عمق المجتمع
«تدمير» الجهد الصحي والأمني والعسكري… اعتقالات وإقالات وتحقيقات
«تألمت عندما شاهدت عطوة الرمثا»… هذه العبارة قالها وزير الصحة الأردني الدكتور سعد جابر يوم عيد ميلاده الـ 60 ووسط معركة فيروس كورونا للمذيع هاني البدري.
قالها بكل الوضوح، وفيما كانت مديرية الأمن العام تحمل المسؤولية لأحد النواب: تألمت جداً عند مشاهدة هذا المنظر الذي يضرب بعرض الحائط كل الأنظمة والقوانين التي تجبر الناس على عدم التجمع، وهو كذلك يدمر كل جهد يقوم به الكادر الطبي والتمريضي والعسكري والأمني.
مفردة «تدمير» التي قد تنطوي على مبالغة درامية سياسية قليلاً يستعملها وزير صحة لأول مرة في الأردن، لكنها تعبر عن حجم الغضب الذي أثارته «عطوة مدينة الرمثا» شمالي البلاد في أوساط القرار، فهي تؤسس للإخفاق الشعبي ضمن مواصفات التباعد الاجتماعي، وخطورتها أنها -»بعد ترتيبها رسمياً» قبل التجاوز الحاصل- قد تؤسس لمنطق يمكن تقليده، بحيث تكون قيمة عشائرية يمكن تأجيلها سلوكياً أقوى من كل جهود اللجنة الوبائية الوطنية، ويمكنها أن تتمرد على الحظر والعزل خلافاً للتنمر على الدولة ومؤسساتها.
في كل حال، «صدمت» العطوة العشائرية في الرمثا جميع أوساط القرار وأثارت سؤالاً حيوياً حول إنتاجية وجدوى الاستنزاف في المعركة مع الفيروس وسط ظروف مغرقة في الحساسية، ما دامت سلوكيات تقليدية اجتماعياً يمكنها أن تبدد أو حتى «تدمر» جهود الدولة.
«تدمير» الجهد الصحي والأمني والعسكري… اعتقالات وإقالات وتحقيقات
السؤال نوقش في مركز الأزمات وفي الحكومة ووسط الوزراء وكبار الجنرالات. وحتى في عمق الحضور الملموس والمنتج للمؤسسة العسكرية يطرح الاستفسار نفسه وطنياً على أساس أن الجيش لا يريد حقاً «الظهور أكثر مما ينبغي» في إدارة «مسائل مدنية». لذلك حصرياً، ظهر وزير الداخلية المخضرم سلامة حماد في الأثناء بـ»عبارات خشنة» يهدد فيها أي مخالف للتعليمات القانونية الدفاعية «بصرف النظر عن هويته»، حيث تفعيلات قانون الدفاع ومعه تفعيلات قانون الصحة العامة، وبالتالي تهمة المساس بصحة المجتمع جاهزة.
لاحقاً لاجتماع الرمثا العشائري البغيض الذي أعقب جريمة قتل بالخطأ، اتهمت الإدارة الأمنية بوضوح عضواً في مجلس النواب بدعم المخالفة، وتم اعتقال 10 أشخاص من حضور العطوة إياها دون تحديد مستوى هرمية أهميتهم الاجتماعية.
وتحدثت الشرطة عن تحقيقات ستتواصل وتوقيفات أيضاً. لكن الأهم أن مدير الأمن العام الجنرال حسين حواتمة، قرر «تعيين قائد جديد» لقوات الأمن في مدينة الرمثا، وعلى الأرجح على خلفية الحادث نفسه، في الوقت الذي يريد فيه الحكام الإداريون تحقيق مزيد من الاستجابات المرنة والسريعة في مسألة الاستقصاء الوبائي وحضور أطقم وزارة الصحة في الميدان.
مثل عرس كورونا وعريس البحر الميت، ولاحقاً سائق الشاحنة، وهي جميعها حالات عكس التباعد الاجتماعي وساهمت في «نشر الوباء»، تربعت عطوة الرمثا العشائرية في صدارة الأحداث والأخطاء التي أزعجت كل المراجع في الدولة. وهي أحداث تزيد؛ لأن الحدث كبير والمواجهة بناءة والعدو غامض، وفقاً لرأي عضو مجلس النواب خميس عطية.
الألم قبل ذلك بدا واضحاً ليس فقط على ملامح وزير الصحة النشط في الإفصاحات الإعلامية، بل في اجتماعات قطاعية مغلقة مطلوب منه أن يحضرها جميعها وفي كل أروقة ومؤسسات الدولة.
في اجتماع صباحي قبل يومين، بدأ الوزير جابر يلمح إلى أن المعركة المحلية والدولية مع الفيروس لن تكون قصيرة الأمد، وقد تمتد للعام 2021 مع الامتداد المحتمل لشهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وهذا يعني الاضطرار رسمياً للتعامل مع «مستجدات» صعبة ومعقدة على مستوى الإدارة المركزية للمشهد، من بينها وعلى رأسها مراقبة السلوك الاجتماعي والاشتباك مع عادات وتقاليد المجتمع المعقدة، التي يمكن ببساطة القول بأن غالبيتها في المناسبات الاجتماعية خاصة من «محفزات الفيروس».
مهم أيضاً ملاحظة اتجاهات وسلوكيات «الجريمة» في المجتمع في ظل كورونا وشقيقاته وسط العزل والحظر. هنا حصرياً، فإن الجهد الذي تتابعه الأجهزة الأمنية «جبار وغير اعتيادي»، حيث الجزء الأكبر من الجرائم بالعادة «اجتماعية وعائلية واقتصادية» الطابع والخلفية، مع أن سياسات الحظر والعزل «خفضت» إلى مستوى كبير وغير مسبوق معدلات الجريمة في الأردن.
المعقد في المسألة أن منظومة التقاليد العشائرية والاجتماعية متكرسة وقوية، وكانت دوماً تستعمل حتى من قبل السلطات في مواجهة الجرائم والخلافات والمشاجرات والانحرافات الجنائية.
وهنا، ومع الانخفاض الذي يرحب به الجميع، لا تزال فرق البحث الجنائي والأمن الوقائي تتولى بصمت هذه المهمة الصعبة. ولا تزال بعض الجرائم «تتسلل» في المشهد، وأبرزها مشاجرة شرقي عمان التي انتهت بعدة إصابات وقتيل، ثم رجل أطلق الرصاص وقتل زوجته، ولاحقاً مشاجرة في منطقة البادية الشمالية أيضاً انتهت بقتيل وثلاثة مصابين، خلافاً طبعاً للعديد من حالات السرقة والاعتداء.
أما «جرائم كورونا» نفسه، فتسللت هي الأخرى للنظام القانوني بفعل تفعيل قانون الدفاع، حيث مخالفات ومصادرات وعقوبات بالسجن بحال تحدي تعليمات الحظر، وحيث تهمة «نقل العدوى» وعدم الإفصاح عن الإصابة يمكن أن تسجن صاحبها اليوم لثلاث سنوات.