مصالح الأردن بين «تلغيم» نتنياهو في ملف «الأغوار» وقصف «أرامكو»… و«مجاملة سعودية» وتأمل في برلين قبل نيويورك
مشروع إسرائيلي قديم على أكتاف المملكة الهاشمية
ما الذي تعنيه بصورة أبسط صدمة لغم «الأغوار والبحر الميت» بعدما فجره رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في حضن الأردن؟
في القراءة السريعة لهذا الحدث أردنياً وسياسياً، انشغل الفريق الاستشاري المعني بالملف في أعمق دوائر القرار بالمقارنة بعمق موقع النظام الرسمي العربي وردة الفعل قياساً بما حصل بعدما منح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليمين الإسرائيلي هضبة الجولان السورية مجاناً بمجرد رسالة وورقة.
استنتاجات
توصلت القراءة الأولى إلى استنتاجات قد تكون مهمة لأغراض التحليل. فعلى سبيل المثال، خلافاً لمسألة الجولان، لم يصدر موقف من الجامعة العربية كما صدر، وإن كان على استحياء وبعد حراك دبلوماسي أردني وبصوت مرتفع، بيان مقتضب يتبنى الرواية الأردنية في تهديد بنيامين نتنياهو بضم وإعلان ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت رسمياً.
ثمة فارق آخر لاحظته المؤسسة الأردنية، فالسعودية ورغم ما يشبه القطيعة التامة بالاتصالات السياسية بينها وبين عمان، صدر عنها موقف عصي على التحليل والتفسير عندما نددت بإعلان نتنياهو ضم الأغوار والبحر الميت ولوحت بالتعاون مع قناة يتيمة أردنية بأن تعقد قمة استثنائية إسلامية تبحث هذا التصعيد ضد الشعبين الأردني والفلسطيني.
ما سيحصل، لو عقدت هذه القمة أو غيرها، هو على الأرجح الاسترسال في الشجب والاستنكار والتنديد ودون إجراءات فعلية على الأرض تعيق أو يمكنها أن تعيق، بأي صيغة، وعد نتنياهو لشعب إسرائيل.
المجاملة السعودية الدبلوماسية للأردن هنا تحاول ضمنياً نفي تهمة عمان العميقة بخصوص ارتماء السعوديين مجاناً في حضن اليمين الإسرائيلي ولأغراض لها علاقة بالصراع المكشوف مع إيران.
وفّرت المجاملة السعودية أمام عمان وقيادتها فرصة للتواصل مع الملك سلمان بن عبد العزيز. ووفرت أيضاً نافذة للحديث مجدداً عن هموم المنطقة والمصالح الأساسية قبل أن يستثمر الأردن في اللحظة الراهنة ويعود بخطاب مرجعي ملكي إلى نغمة التضامن الشامل والعميق مع الأمن السعودي إثر عملية القصف الأخيرة لمصافي النفط في شرطة أرامكو.
هنا لاحظ المتابعون أن الأردن تقصد اعتبار أمن المملكة الشقيقة جزءاً من أمنه الوطني، في الوقت الذي لم تعد فيه عناصر العهد السعودي الجديد على الأقل تتعامل مع الأردن على أساس هذا المفهوم المصلحي، لا في بعده السياسي ولا في بعديه الاقتصادي والأمني. باستثناء وعود تتكرر هنا وهناك في وظائف للأردنيين في مشاريع مدينة نيوم التابعة للأمير محمد بن سلمان، لا يوجد أساس من أي نوع للتحدث عن انطلاقة جديدة أو مختلفة في العلاقات الأردنية السعودية وفي منظومة الاتصالات.
لكن مبادرة الرياض التضامنية، بخصوص ما أعلنه نتنياهو تحت عنوان الأغوار وشمال البحر الميت، نقطة في صفحة متوترة يمكن البناء عليها إذا ما كانت الرسالة السعودية بنوايا طيبة وصافية.. على الأقل النخبة الأردنية الموجودة حالياً تفكر بهذه الطريقة. إلى ذلك، شعرت عمان بعد إعلان نتنياهو بمزيد من انكشاف ظهرها السياسي والإقليمي، فتحدثت مع بعض الأصدقاء القدامى في الكونغرس الأمريكي، وتواصلت مع الراعي البريطاني، ويبدو أن المصالح الحيوية الأردنية هنا تطلبت، قبل حضور الملك عبد الله الثاني لاجتماع وشيك للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقفة استكشافية عميقة مع المؤسسة الألمانية.
تواصل مكثف
لذلك، وبعد التواصل المكثف مع لندن، والمجاملة التضامنية التي صدرت من الرياض، يتحرك الهامش الأردني في اتجاه برلين في طريقه لاجتماعات نيويورك بعد نحو يومين. ثمة أمل في اختراقات، ولو صغيرة، تمنع الشر الأعظم المتمثل في أن يتمكن نتنياهو -إذا ما فاز بالانتخابات خلال الساعات القليلة المقبلة – من تشكيل حكومة ثم افتراض السيناريو الذي يقول أن نتنياهو إذا تجاوز عقبة الفوز وتشكيل حكومة لا يوجد ما أو من يردعه لتنفيذ وعوده الانتخابية والانتقال فوراً إلى ترتيب عسكري وأمني يحسم ملف الحدود ويخالف أو يناقض المصالح الأردنية بضم الأغوار وشمال البحر الميت.
تلك حلقة درامية في مسار الأمور، لها نكهة الابتزاز السياسي والظرفي، ستنتج المزيد من الإرباك لصانع القرار الأردني، مع أن محللاً إستراتيجياً بارزاً من وزن المفكر عدنان أبو عودة يلفت الأنظار إلى أن ضم الأغوار والبحر الميت مشروع إسرائيلي قديم.
وحلل الموقف برفقة «القدس العربي»، والنتيجة كانت في الخلاصة.. أن نتنياهو تحت ظل صفقة القرن والسلام الاقتصادي يستطيع أن يفعل ما يشاء اليوم، حيث لا يوجد اتجاه أو قوة مركزية في الجانب الآخر.
الخلاصة التحليلية أيضاً أن فكرة مشروع إسرائيل بضم الأغوار والبحر الميت تحت اعتبارات ودواعٍ أمنية لها علاقة بأعداء الشرق قديمة وليست جديدة، ويمكنها أن تستبق جميع الأحداث بالنتيجة تحت عنوان العودة إلى مربع توريط الأردن بملف الضفة الغربية.