مصير حكومة الأردن «يتراقص» والرزاز «يتغير بهدف البقاء»… والاتجاه معاكس لـ«الحرياتي والحقوقي» في البلاد
وقفت الحكومة الأردنية مجدداً على نفس محطة المفارقة في الإيحاءات المعاكسة.
رئيس الوزراء المثقف الليبرالي وداعية الإصلاح باستثناء «السياسي» الدكتور عمر الرزاز، يسمح بإقالة مدير المركز الوطني لحقوق الإنسان السفير السابق الدكتور موسى بريزات.
بعيداً عن المركز نفسه وعن الخلافات بين بريزات كمسؤول تنفيذي مباشر عن أهم ذراع للدولة في مجال ملف حقوق الإنسان، وبين «الرئيس الحزبي» لإدارة المركز الشيخ ارحيل الغرايبة.. بعيداً عن ذلك، الأهم أن الرزاز سمح بالإطاحة برجل حقوقي صاحب رأي لديه وجهة نظر تناكف بوصلة الحكومة.
تلك قرينة قوية جداً على أن الرزاز، عشية الأيام التي يتوقع أن تكون أخيرة على حكومته، «يتغير».
وقرينة أيضاً على أن رئيس الحكومة الذي صعد للواجهة من نحو عامين على أكتاف جماهير الدوار الرابع، بدأت تلتهمه الاعتبارات البيروقراطية للموقع والوظيفة، وهي مسألة كان الرزاز متنبهاً لها من البداية عندما سمعت منه «القدس العربي» مباشرة مخاوفه المعنية بأن يلتهم الإصلاح الإداري كل وقت حكومته وبرنامجها.
بهذا المعنى ينحاز الرزاز للإسلامي المنشق عن الأخوان المسلمين الدكتور ارحيل الغرايبة، في خلاف وتجاذب مع شخصية من وزن الدكتور بريزات، وتتم الإطاحة بمدير المركز الوطني لحقوق الإنسان ودون أن يشرح مجلس الإدارة أو تشرح الحكومة ماذا حصل ولماذا وعلى أي أساس.
لكن الجواب عن كل تلك الأسئلة ليس مهماً، لأن تمرير الرزاز لمنطق من هذا النوع يطيح بشخصية اعتبارية بناء على خلاف له علاقة بالحريات والحقوق العامة بحد ذاته، المحطة التي ينبغي أن تشغل جميع المعنيين «بما تبقى من حكومة» تراقص مصير سقفها الزمني بمجرد رصد اللحظة التي أعلن فيها الملك عبد الله الثاني الحسم للاستحقاق الانتخابي الدستوري الصيف المقبل.
فقط فيروس كورونا -لا سمح الله- يمكن أن يضاعف احتمالات تأجيل الانتخابات إذا ما توسع نطاق الاحتياط له، مع أن مستوى المشاركة في الانتخابات أصلاً كان بمثابة السؤال الأزلي الذي يسيطر على عقل جميع المسؤولين والسياسيين. تريد حكومة الرزاز إكمال برنامجها… هذا واضح تماماً من كل التفصيلات.
لكن ما هو غير واضح يتمثل في أن مرونة الحكومة تبدو نشطة لأن تبقى بالحكم لفترة أطول بصرف النظر عن الكلفة والنتيجة، وأن الرئيس الرزاز انضم رسمياً لنادي رؤساء الوزارات التقليديين، حيث المراوحة والمراوغة البيروقراطية في المكان، وشراء مزيد من الوقت لإنجاز برنامج على الأرجح من الصنف الذي لا يمكن إنضاجه. ويطول عمر الحكومة هنا دون إظهار أي إشارة يفهم منها الشارع بأنها معنية بالإصلاح السياسي، فقد استمعت «القدس العربي» لوزير العمل الأسبق نضال القطامين يتحدث عن «نقاش خاص» جمعه بالرزاز، واستخلص الأول بعده أن الإصلاح السياسي «ليس أولوية». الانطباع عند المحيط القريب من الرزاز بأن «تغيير قانون الانتخاب» بحيث تحقن الحياة العامة بجرعة قوية من الإصلاح السياسي.. ليس هو الأولوية الآن؛ لأن ذلك يخدم الأخوان المسلمين و»يغضب» حلفاء الخليج. تلك طبعاً مشروخة سياسية طالما سمعها المراقبون في الأردن لتبرير البقاء في حالة عدم التقدم، حسب الناشط الإسلامي مروان الفاعوري المصر على أن الإصلاح السياسي والتمكين الدستوري هو البوابة الأولى نحو أي بصمة لمغادرة الإحباط العام الحالي، ودون ذلك كلام فارغ. الغريب مرحلياً أن تردد حكومة الرزاز تلك المشروخة التي تروج لفوبيا الأخوان المسلمين وتزعم بأن الدولة ستخسر «مصالح الخليج» في حال الإصلاح السياسي.. ليس فقط لأن المصالح مع المحور السعودي الخليجي أصلاً «غير متحققة»، بل أيضاً لأن حكومة الرزاز زعمت مبكراً بأنها حكومة مستنيرة وستسعى لنهضة وطنية وإصلاح شامل «أثناء تحليق الطائرة».
وكذلك لأن الأوضاع في الخليج، وتحديداً في السعودية، «تتغير في كل حال» في اتجاه الانفتاح الاجتماعي والثقافي والسياحي، شريطة أن لا يرافقه تماماً، كما يحصل في الأردن، انفتاح سياسي. وعليه، لا تسعى حكومة الرزاز لأي مجد سياسي من أي نوع وهي تعزل نفسها عن سياقات ملف الإصلاح الانتخابي والسياسي، أملاً في البقاء لفترة أطول في الإدارة وتحقيق البصمة الوحيدة الممكنة، التي تنجز الحكومة فيها فعلاً في عمق «القطاع العام». وفي الخلاصة، قد يعني ذلك أن الحكومة الحالية لم تعد معنية بملف الإصلاح السياسي بقدر ما تقول، ضمنياً وبعد إخراج الدكتور بريزات من الوطني لحقوق الإنسان، بأنها «ليست معنية» أيضاً بالملف الحقوقي والحرياتي على الأقل للدرجة التي تجعلها حليفة فعلاً لشخصية مثل الدكتور ارحيل الغرايبة التي كانت معارضة عملياً في الماضي في مواجهة «رؤية نقدية» لشخصية مثل بريزات لم تكن يوماً في السياق المعارض وإن احتفظت بروايتها المستقلة والقدرة على «النقد» والاشتباك.