تحريك الديمغرافيا «سلاح بيد الطرفين»… الأردن: حكومة حسان «تخفف» من «تسييس» عودة خدمة العلم… ما الرسالة؟

عمان- «القدس العربي»:البرمجة المسيسة التي رافقت الإعلان عن مشروع قرار تفعيل خدمة العلم العسكرية في الأردن واضح تماماً أنها تقصدت التخفيف على مستوى خطاب الحكومة حصراً من جرعة التشبيك والربط بين القرار وبين عدوان محتمل من جهة إسرائيل، بعد التصريحات الاستفزازية الأخيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعنوان مشروع إسرائيل الكبرى.
الاجتهاد الوزاري لطاقم مجلس الوزراء الأردني واضح تماماً أنه تقصد تجنب الإيحاءات، خصوصاً عند الشروحات والتفصيلات القاضية بأن القرار مرتبط -زمنياً- بما نقل من أجواء التهديد والوعيد بمشروع إسرائيل الكبرى على لسان بنيامين نتنياهو.
وهي تصريحات أثارت جلبة وعاصفة جدل في الأردن، ودفعت باتجاه تحذيرات شديدة اللهجة من مختلف الأوزان والأثقال تحت عنوان الانتباه والتحوط الوطني.
صحيح أن المبادرة أعلنها ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله على هامش لقاء شبابي في مدينة إربد شمالي البلاد أمس الأول ورحب بها الشارع الأردني بحرارة، لكن الصحيح بالمقابل، أن الخطاب الحكومي الذي أعقب ما أعلنه الأمير، تقصد التأشير على أن مشروع تفعيل وعودة خدمة العلم هو برنامج متفق عليه منذ أكثر من عام، وعند بدايات تشكيل الحكومة. والهدف من هذه التأكيدات التي تطرق لها نحو 3 وزراء على الأقل في الحكومة، هو التحوط مسبقاً من عدم وجود تفسيرات لعودة المشروع لها علاقة مباشرة بحالة الصدام الأردني الإسرائيلي، حيث لا تميل سلطات الحكومة إلى القراءة التي تفترض بأن مواجهة حتمية في الطريق مع إسرائيل هي من صنف يتطلب مقتضيات «عسكرية».
العلاقات مع إسرائيل في أسوأ أ، واستفزازية جداً مع وجود وزراء تصنفهم عمان خصوماً وأعداء مثل سموتريتش وبن غفير، علماً بأن رئيسهما نتنياهو يستخدمهما لأجندته السياسية، في واحدة من أهم قراءات العمق الأردني.
لم يعرف بعد ما السبب الغامض وراء اجتهاد الحكومة في الحديث عن برنامج عودة خدمة العلم بدون سياق سياسي له علاقة بصراع مع إسرائيل.
لكن الواضح تماماً، أن الوزراء اجتهدوا في هذا السياق، وهو ما تضمنه -تصريحاً وليس تلميحاً فقط- توضيح باسم مجلس الوزراء صدر بعد ساعات فقط من إعلان ولي العهد عن عودة خدمة العلم.
لاحقاً، تطرق الوزير الناطق باسم الحكومة محمد المومني إلى لتفاصيل، كما شرح وزير الداخلية مازن الفراية في إطلالة على شاشة المملكة، معلناً أن رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان أصدر توجيهاً للوزراء المعنيين بدراسة تفاصيل عودة برنامج خدمة العلم بعد أسبوع فقط من توليه مهامه.
وإن ذلك حصل أصلاً بموجب توجيهات من جلالة الملك وولي العهد في وقته عند بدايات تشكيل الحكومة.
وخطاب الحكومة هنا يريد القول إن مشروع عودة خدمة العلم سابق في توجيهه وبرمجته لتصريحات نتنياهو، أو حتى يتم التفاعل معه في الأقنية البيروقراطية بعيداً عن مجمل الصراع العربي الإسرائيلي.
تلك رسالة تقصد الوزراء التأشير عليها وهم يتفاعلون مع حرارة التصفيق الشعبي لقرار عودة خدمة العلم، الذي طالبت به العديد من الشخصيات العامة باعتباره أساساً ومحطة أساسية، ومهمة في درب التصدي لأطماع اليمين الإسرائيلي.
لسبب أو لآخر، لا تريد الحكومة الأردنية القول إنها اتخذت قرار تفعيل خدمة العلم بسبب وجود تهديدات على الطاولة، أو وشيكة، عنوانها مشروع إسرائيل الكبرى.
في ذلك رسالة ثقة في الحسابات والتدقيقات والقدرات بالتأكيد، لكن في ذلك أيضاً منهجية تحاول القول إن حكومة الرئيس الدكتور جعفر حسان على أقل تعديل، ليست بصدد اتخاذ القرارات الشعبوية، وتقديرها أن مشروع إسرائيل الكبرى للاستهلاك الإعلامي، حتى وإن كانت -أي الحكومة- لا تستطيع تبني القراءة علناً.
المعنى أن البرنامج متفق عليه منذ تشكلت الحكومة، والجرعة التي أعلنت الحكومة تفاصيلها تتحدث عن برنامج قصير المدى زمنياً مدته ثلاثة أشهر.
الأرجح أن قرار الخدمة الجديد يشمل نحو 6000 شاب أردني كتجربة ومرحلة أولى.
والوزير الفراية قال إن البرنامج درس بعناية من مختلف الوزراء وزراء الاختصاص، حتى يتم ضمان ديمومته بمدلول أنه ليس مؤقتاً، وبالتالي لا يرتبط بحدث محدد.
عملياً، تصدر القرار في توقيت لا يخلو بالتأكيد من اعتبارات سياسية مرتبطة بالمخاطر التي توقفت الحكومة الأردنية عن إنكارها منذ عدة أشهر، بعنوان ما يخطط له اليمين الإسرائيلي ليس من اعتداء مباشر على الأردن تحت عنوان توسيع مشروع إسرائيل الكبرى، ولكن أيضاً من خلال ضم الأغوار والضفة الغربية، وهي خطوة سبق أن وصفت أردنياً بأنها بمثابة إعلان حرب، وإن كان المستشار القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم قد أصر مجدداً عبر «القدس العربي» على أن مخالفة البند السادس من اتفاقية وادي عربة والمتعلق بالتزام الطرفين بعدم تحريك أي كتلة سكانية إنما يعني تماماً أن إسرائيل تعلن الحرب على الأردن في حال ضم الضفة الغربية.
المستشار والخبير الاستراتيجي والعسكري الجنرال والفريق المتقاعد قاسم محمود، كان له رأي مبكر عبر «القدس العربي»، يشير فيه إلى أن تحريك السكان أو التهجير من الضفة الغربية سلاح ذو حدين؛ فهو أيضاً سلاح بيد الأردنيين إذا ما تجاوز الجانب الإسرائيلي الاعتبارات الوطنية والحدودية الأمنية.
مظاهر الصراع مع حكومة اليمين الإسرائيلي لا يمكن الاستمرار في نفيها، وأغلب التقدير أن حكومة الأردن اجتهدت في وضع برنامج محدود لخدمة العلم حتى لا يتم تفسيره على أساس وجود مخاطر وشيكة أو على أساس الاشتباك مع إسرائيل، لكن في التوقيت والتزامن ثمة رسالة مؤكدة للإسرائيليين ولغيرهم من الحلفاء.