هل تؤدي رسالة خطية من ملك الأردن إلى السيسي لمراجعة “المشهد الليبي”؟
تبدو الرسالة التي استلمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “خطياً” من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إشارة إلى أن عمان تريد أن تقول كلمتها ليس في مجال رفع مستوى التنسيق مع القيادة المصرية بل على صعيد الاستمرار في العمل على “خفض التصعيد” خصوصا في العراق وليبيا.
الأردن كان قد اقترح على مصر مشاريع تعاون استراتيجي ثلاثية مع العراق في محاولة لتحريك الدورة الاقتصادية والاستثمار في عودة العراق لحاضنته العربية بعيدا عن الأجندة الإيرانية.
لاحقا يعتبر مراقبون أن الأردن بكل حال طرف في مسافة قريبة جدا من الجنرال الصديق خليفة حفتر وبالتالي من المحور المصري الإماراتي، وعليه في الاتجاه المعاكس لحسابات المصالح التركية في ليبيا وكذلك في الاتجاه المعاكس للمصالح الايرانية في العراق.
ورد اسم الأردن ضمن الأدبيات المنقولة عن منابر الحرس الثوري الايراني بعد مقتل الجنرال قاسمي سليماني وضمن الجهات التي يراد لأنصار إيران في المنطقة الرد فيها، خصوصا مع وجود بعض القوات الأمريكية في الساحة الأردنية بالقرب من العراق وسوريا.
بمعنى آخر الأردن ومهما اجتهد في تأسيس توازنات تدعو لعدم التصعيد يبقى قريبا من كل مؤشرات الاشتباك الحيوية والمفتوحة على الصدامات العسكرية.
حتى في الدائرة المقربة من طاقم الوزارة الاقتصادية في عمّان، تزيد المخاوف من أن تؤدي حالة التوتر في الإقليم والجوار إلى إخفاق خطة حماية الاقتصاد، حيث مرة أخرى عناصر اقليمية من النوع الذي لا تستطيع الحكومة الاردنية السيطرة عليها كما يرى وزير المالية الدكتور محمد العسعس.
سمعت “القدس العربي” من العسعس ومن وزيرة الطاقة هالة زواتي الأسبوع الماضي سلسلة من المخاوف المرتبطة بانعكاسات الوضع الإقليمي المتوتر في الجوار على أي خطط للاقتصاد المحلي.
لكن تبقى المسألة بين يدي مؤسسات صناعة القرار السيادي في الاردن.
وفي الوقت الذي تعرف فيه الغرفة الأردنية بأن السيطرة على المشاهد الاقليمية مسألة في غاية الصعوبة، خصوصا مع ضعف هوامش المناورة أمام الدور الاقليمي الاردني وانكشاف تصدعات في جدران التحالف، ومع التحدي الاسرائيلي الأبرز الذي يعبر عنه سفير واشنطن مؤخرا في تل أبيب وهو يتحدث عن ترتيبات لصفقة القرن بدون دولة فلسطينية في الضفة الغربية وعن ضم الأغوار وعن ما أسماه الاحتلال الأردني للضفة الغربية والذي دام 19 عاما في “لهجة أمريكية” جديدة تماما ومباغتة لم يسبق لعمان أن سمعتها.
بكل حال لا تزال مؤسسات القرار الأردنية تحاول التعمق في فهم دلالات تصريح السفير الأمريكي في كيان الاحتلال، مع أن التقصي والفهم أصعب في ظل رفض عمان للتعامل مؤخرا مع قناة فلسطينية امريكية كانت تنقل الرسائل والمعلومات وبصورة اكتشف الجميع لاحقا أنها “مضللة”.
لذلك لا يوجد أمام الأردن إلا خيارات من وزن محاولة التأثير في مجريات الأحداث بدلا من الخضوع التام لها.
وهي خطوة غير ممكنة بدون التموقع في حضن علاقات متزنة مع جميع الأطراف في الجوار والإقليم خصوصا الفضاء العربي.
من هنا طبعا يمكن قراءة الجولة النشطة التي يقوم بها بصورة علنية وأحيانا غير علنية لاعب دبلوماسي مخضرم وصبور من وزن مدير مكتب الملك الأردني الدكتور بشر الخصاونة صاحب الخبرة العميقة في الاسرائيليات والاتصالات.
بكل حال كشف الاعلام المصري وليس الأردني عن الرسالة الخطية التي حملها الخصاونة وسلمها للسيسي، وتضمنت الحرص على إقامة نقاشات رفيعة المستوى بخصوص تطورات الأوضاع في ليبيا والعراق على الأرجح.
عمليا يعرف الاردنيون أنهم لا يستطيعون إطلاقا وبكل الأحوال بناء أي تواصل مع إيران في هذه المرحلة ليس فقط لأنهم في الاتجاه المعاكس ولكن في المجال الحيوي لتأثيرات أي صدام عسكري ولأن ايران وحسب تعبير رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري”يأفل نجمها” وقد لا يكون من الحكمة الاستثمار فيها بعد الآن.
لكن معضلة الحسابات الأردنية قد تكمن في المسألة التركية، فالأردن لا يريد التفريط بعلاقات رديئة جدا مع الأتراك، ولا الإفراط في علاقات إيجابية وتحالفية معهم، واصطفافاته قريبة جدا من السيناريو المصري في ليبيا.
بسبب هذا التعقيد؛ يعتقد بأن الرئيس السيسي تلقى رسالة ملكية اردنية وعلى أساس أن هامش المناورة المركزي أمام عمان العمل على تجنب سيناريو الصدام العسكري المباشر في ليبيا والحرص على تخفيض التصعيد قدر الامكان لأن العمليات العسكرية اذا اندلعت في ليبيا ستضع الجميع في قمة الاحراج.
وعليه يتصور خبراء بأن رسالة ملك الأردن تحاول التأسيس لمسافة تستخدم التصعيد العسكري في ليبيا كمشروع لتدشين حوار سياسي بين الأطراف المتصارعة أملاً في عدم التورط بحرب جديدة برفقة حرب اليمن.
فهل تستطيع “رسالة خطية” للسيسي المساعدة في هذا الخفض للتصعيد؟ الإجابة منوطة بالأيام والأسابيع المقبلة.