اراء و مقالات

هل تذكرون درعا؟ كل الألوان في عمان تخشى سيناريو «أردنة» مشكلات «الضفة الغربية»

عمان- «القدس العربي»: التطرف في تشكيل الحكومة الإسرائيلية غربي نهر الأردن بدأ، في النسخة الأولى من تداعيات محلية الطابع على المملكة الأردنية الهاشمية، يقود إلى تطرف وشطط في التحليل والتحذير هذه المرة.
المشهد الداخلي في عمان اليوم يوحي بكل الصور والصيغ بأن التحديات التي قد تواجهها الدولة الأردنية في إطار التداعي الداخلي الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ليست من النوع السهل، وليست من الصنف الذي يمكن حقنه بجرعة تخديرية عنوانها وقف التشكيك، وعنوانها الآخر تلك الثوابت التي كانت معلنة أردنياً في مسار المسألة الإسرائيلية والقضية الفلسطينية.
لا مجال بعد الآن إلا للانتباه والحذر الشديد.
هذا ما تقوله تعبيرات بعض الإسلاميين المعتدلين والشخصيات العامة الوطنية على الأقل التي سارعت بعد الإعلان عن اتفاق الائتلاف بين بنيامين نتنياهو وعضو الكنيست اليميني التلمودي المتشدد إيتمار بن غفير، إلى إطلاق بالونات اختبار تتميز بضخامة سياسية هذه المرة ومن الصعب تجاهلها، فقد توسعت المخاوف في عمق الشارع والوجدان الأردني على الرغم من كل التطمينات أو الـ “لاءات” الرسمية والبيروقراطية، وعلى الرغم من كل ما يقال في الاجتهاد المرتبط بمسار التكيف والتعايش مع الوضع الإسرائيلي الحالي.
الناشط النقابي البارز أحمد زياد أبو غنيمة، قرر تذكير الجهاز الاستشاري العامل مع دوائر صناعة القرار بعد تشكيل حكومة نتنياهو- بن غفير، بما كان في الماضي، مطالباً بالعودة إلى مربع الاشتباك الأول، حيث إن إمارة شرق الأردن قامت وصمدت طوال عقود عبر التحالف ما بين الهاشميين والشعب الأردني.

أجواء الصدام والمخاوف

الإشارة هنا مباشرة وبلا ألغاز، وأبو غنيمة كان أول من طرق أبواب مثل هذا النمط من التذكير ومع أنه طالب بأدوات اشتباك وصدام وتأزيم بدلاً من الأدوات الحالية في الحكومة والبرلمان.
أجواء الصدام والمخاوف وسط الأردنيين تضاعفت في الساعات القليلة الماضية كما لم يحصل من قبل، فيما لا تقول الحكومة ولا السلطات ما هي بصورة محددة خطتها للرد على التصعيد الإسرائيلي وعلى تجاهل كل نصائح ومحاذير الأردن الرسمي التي طالبت بوضوح بتشكيل حكومة خالية من بن غفير، الموصوف أردنياً بأنه “الغفير” الأبرز ضد حراس الأوقاف والوصاية ومصالح الشعبين الفلسطيني والأردني. توزير بن غفير ومنحه صلاحيات واسعة بموجب الائتلاف اختبار عميق بالمعنى الأمني وليس السياسي فقط لكل برنامج الاحتواء الرسمي والسياسي والدبلوماسي الأردني؛ لأن على المحك، على حد تعبير السياسي مروان الفاعوري، قضايا جوهرية وأساسية ومفصلية لا علاقة لها فقط بتصفية أو مشروع تصفية القضية الفلسطينية بقدر ما لها علاقة اليوم بوجود الأردنيين وكيانهم لا بل بنظامهم أيضاً. تعبيرات المخاوف والهواجس بعد تركيبة الطاقم الحاكم الجديد في إسرائيل ضربت كل الأوتار الحساسة عند الأردنيين.
السياسي والبرلماني البارز ممدوح العبادي، قال أمام “القدس العربي” بأن “الصدام قادم لا محالة وحتمي” بين الأردن واليمين الإسرائيلي. والقيادي البارز في الحركة الإسلامية وفي جماعة الإخوان المسلمين الدكتور رامي العياصرة، كتب يحذر متسائلاً: هل يصبح التوتر المحتوم قريباً تماماً مثل “درعا” السورية مشكلة أردنية.
الإشارة واضحة عند عياصرة الذي ناقشته “القدس العربي” بأنه يستشعر خطراً داهماً على الأردنيين قيادة ودولة وشعباً، لا بل قالها بوضوح وبصورة مباشرة عندما تحدث عن وضع جيوسياسي واجتماعي وأمني في الضفة الغربية قد ينتهي قريباً بالعودة إلى ما يسمى بـ “الخيار الأردني”.
والخيار الأردني يعرفه الجميع ويألفه الصغير والكبير، وعنوانه تفريغ الاحتقان الأمني وحل المشكلة الديمغرافية وتحويل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة إلى مجرد عبء سكاني يتحمله الأردن، وفقاً للعياصرة. بمعنى، أن الأردن قد يذهب مضطراً إلى هذا المسار وهو محفوف جداً بالمخاطر، ولا تنفع معه لا تكتيكات التعايش ولا استراتيجيات التكيف.
والسبب هو طبيعة الصلاحيات التي منحت لوزير الأمن الداخلي الجديد في إسرائيل، فهي من الطراز العدائي الساخن وليس من طراز مجرد حقيبة في مجلس وزراء يمكن السيطرة عليها.
ترى مؤسسات العمق الأردنية أن الائتلاف بين نتنياهو وبن غفير مؤخراً يضرب القيمة الأساسية التي كان الأردن طوال سنوات الصراع وما بعد توقيع اتفاقية وادي عربة 1994 يراهن عليها وهي “الثقة بالدولة العميقة في إسرائيل”.
الفرضية السريعة الخاطفة في عمق جدار القرار الأردني تقول بوضوح إن الدولة العميقة في إسرائيل والممثلة بالمنظومتين العسكرية والأمنية قد تصبحان قريباً آخر من يعلم، وقد يخرج تأثيرهما من المعادلة.

تكتيك يميني إسرائيلي

تلك عملياً خسارة استراتيجية كبرى للأردن، شريك السلام الذي كان دافئاً وأصبح ملتهباً وحاراً اليوم، على أمل الاستدراك ومعرفة ضرورة الانتباه إلى قراءة الوقائع كما هي. الهواجس انتشرت أفقياً بين النخب الأردنية بما فيها نخب الولاء أو المحسوبة على الصف الرسمي، فيما مالت الحكومة والنخب الرسمية إلى حالة صمت على أنغام هزة الغربال الأولى بعد إعلان تفاصيل الائتلاف الجمعة الماضية، حيث يحضر بن غفير للحكومة باعتباره الرجل الثاني في الطاقم عملياً وبصفته وزيراً استثنائياً عابراً لبقية الوزراء ولديه صلاحيات مالية ولديه خطوط إنتاجية مباشرة عنوانها المال وصناعة جيش جديد في الضفة الغربية من ميليشيات المستوطنين، بالإضافة إلى صلاحيات لها علاقة بتعزيز الاستيطان.
الانطباع واضح تماماً بأن عمان في طريقها لفقدان حتى الأساس الذي تكرر فيه الحديث عن عملية سلام وحل دولتين. وما ينبغي -حسب أبوغنيمة والعياصرة وآخرين- اليوم الانتباه له جيداً هو أن خطة تجريف الواقع الموضوعي في الضفة الغربية وإعادة الأمور إلى ما قبل اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة قد تكون الأساس في إطار تكتيك يميني إسرائيلي عنوانه الواضح اليوم “أردنة” الضفة الغربية مجدداً، وعودة سيناريو ما يسمى بالخيار الأردني؛ بمعنى إنتاج واقع موضوعي يدفع الأردن حرصاً على المساحات الخاصة بأمنه القومي والوطني، إلى الدخول في مساحات مظلمة؛ بمعنى تقويض السلطة الفلسطينية وإخراج المؤسسات الرسمية الفلسطينية من الحالة السياسية والأمنية الداخلية في الضفة الغربية المحتلة.
تجربة الأردن مع درعا السورية باعتبارها مشكلة أردنية كانت مريرة طوال السنوات التي أعقبت عام 2011، وإن “أردنة” مشكلات الضفة الغربية اليوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً هي خطة اليمين الإسرائيلي على الأرجح، مما ينتج سؤالاً معقداً عن “نوايا وتداعيات مسار التكيف”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى