45 في المئة من المواطنين فقدوا ثقتهم بالمؤسسات ويرغبون في الهجرة وسط صمت رسمي يتجدد السؤال في الأردن: أين قتيبة؟
يصمت الذراع الرسمي الأردني المتخصص في الاستطلاعات للمرة الثانية على التوالي عندما يتعلق الأمر ببروز ميل شديد عند المواطنين للهجرة من البلاد.
غريب جدا أن الباحثين الاستقصائيين العاملين مع الحكومة والسلطة يفضلون عدم التعليق على تقارير استطلاعية تحدثت مرتين عن بروز ظاهرة الرغبة في الهجرة في الأردن.
مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للجامعة الأردنية هو المؤسسة المتخصصة والخبيرة المعنية بالتعليق والرد وسط تداعيات الأزمة الاقتصادية الطاحنة والتي بدأت تتخذ مؤخرا أكثر من شكل وصيغة.
“شبكة الباروميتر العربي” وهي مؤسسة ليست أردنية أعلنت عن نتائج استطلاع مماثل أمس الأول ظهر فيه ان 45 في المئة من عينة قوامها 2400 مواطن أردني فقدوا احساسهم بالمؤسسات وثقتهم فيها ويرغبون في الهجرة.
ذلك رقم كبير بالنسبة لشعب صبور تميز طوال عقود بإيمانه الشديد بأرضه وبلده وحتى بهويته التي يعبر عنها النظام السياسي، وفي رأي الناشط الإسلامي مروان الفاعوري تلك حصة في درس الوطن ينبغي ان تتلى وتقرأ حيثياتها بعناية فائقة.
تعتبر الناطقة الرسمية باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات أن التعليق على دراسات احصائية من هذا النوع قد لا يكون خيارا ما دامت المبالغة في الأرقام محتملة.
قبل ذلك برز رقم قريب جدا يتحدث عن أن أكثر من 42 في المئة من قطاع الشباب الأردني راغبون في المغادرة ويأملون بفرصة هجرة من دون تحديد المكان.
في رأي الفاعوري وغيره من الخبراء هذا مستجد يستحق التأمل في اتجاهات المجتمع الأردني خصوصا وان الإحصاء الأخير تحدث عن مضاعفة نسبة الراغبين بالهجرة تقريبا عام 2019 عنهم في عام 2016.
وهنا يمكن القول بأن الغرق في تقليب الأرقام والتحدث عن مصداقيتها أصلا قد لا يكون هدفا في حد ذاته لأن المؤسسة الأمنية المرجعية على الأقل درست فعلا وعدة مرات الزيادة الكبيرة في عدد الأردنيين الذين يزورون تركيا تحديدا والزيادة الكبيرة في عدد الأردنيين الذين سجلوا عقارا لهم في الجمهورية التركية بسبب نوع من التسهيلات لا يحتاج لهجرة أصلا.
اطلعت “القدس العربي “على مضمون تقرير استراتيجي يرى أن الكتلة الديموغرافية الأردنية التي تتجه نحو الاستثمار أو شراء عقار في تركيا تحديدا تمثل كل تلاوين وشرائح المجتمع الأردني ولا تقتصر على الأثرياء أو الطبقة الوسطى، بل بدأت تضم فعليا مواطنين من الأقليات ومن أبناء العشائر ومن المتقاعدين العسكريين.
الجامعات التركية وحدها تستوعب أكثر من خمسة آلاف طالب والبحث عن وسائل هجرة ميسورة قدر الإمكان بصرف النظر عن المكان هو الاستفسار الأكثر إلحاحا بالنسبة لمازن العبادي الذي يدير مكتبا صغيرا يحاول تعبئة نماذج واستمارات الهجرة إلى كندا.
حتى في مناطق أعمق ثمة معارضون أردنيون عددهم أكثر من أي وقت مضى يمارسون هوايتهم إما في المعارضة أو في النقد والتجريح أو حتى في الفبركة في إحدى عشرة دولة على الأقل اليوم بعدما تمكن هؤلاء من الحصول على حقوق لجوء أو إقامة دائمة وبدأوا بتصوير فيديوهات تقلق الجميع من أردنيي الداخل.
يحصل ذلك في عدة دول من بينها أمريكا والسويد واستراليا ونيوزيلندا والمغرب حيث يوجد أردني مغترب قرر معارضة الإدارة في بلاده وفتح منابر الكترونية لممارسة كل أصناف الشائعات وتسريب الوثائق والمعلومات.
يثبت ذلك طبعا أن أصنافا متعددة من المجتمع الأردني لديها ميول متراكمة نحو البحث عن ملاذ آخر.
وفي الحسبة الاستثمارية الرقمية ثمة حديث غير موثق عن أردنيين في الخارج يملكون أو يديرون استثمارات بأكثر من مئة مليار دولار وهؤلاء جميعا تخفق الحكومة وأذرعها الاستقطابية في استدراج ولو جزء من استثماراتهم في الوطن.
يبدو الموقف معقدا هنا لأن أي استبيان استطلاعي يحاول تأسيس استنتاجات ويتحدث عن نسبة أقل بكثير من نصف الأردنيين ترغب في الهجرة يعيد تذكير الجميع بالنقاش الشهير بين رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في بدايات تشكيل حكومته وبين شاب يدعى قتيبة طلب منه الرزاز علنا أن لا يهاجر فبقي الفتى منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة عاطلا عن العمل وعاد وأبلغ الرأي العام بأنه تراجع عن تراجعه عن فكرة الهجرة.
طبعا مثل هذه المعطيات تخدش المشهد الداخلي والوطني وتثير قلق دوائر صنع القرار ويمكن استثمارها في تغذية أي نقاش معارض أو محتج على جزئية واقع الحال.
لكنها حيثيات ووقائع رقمية وغير رقمية قد لا تكون علمية وان كان إسقاطها من التحليل العام خطوة لا تنطوي على حكمة في كل الأحوال.
فهي وقائع وأرقام ينبغي فعلا أن تقرأ حتى عندما تقول الوزيرة غنيمات أن استراتيجيات الحكومة الهيكلية لا تبنى أصلا على معطيات متسرعة من هذا النوع.