«أزمة الذات» الأردنية: صيغة «سلم نفسك» تتصدر… ومحاكمات في الطريق ورؤوس كبيرة قيد «التحقق أو التحقيق»
سؤال المرحلة مجدداً: كيف نعيد التوازن بين «الأمني» و«السياسي»؟
ليس واضحاً بعد في عقدة «أزمة الذات» الأردنية ما إذا كان تسريب أنباء عن محاكمات وشيكة لضباط أمن كبار ومتقاعدين مجرد فقاعة لأغراض اجتماعية أم رسالة سياسية لعدة أطراف في الداخل والإقليم من تلك الشرائح التي تزيد بين الحين والآخر من جرعة التحرش بالمملكة وبوصلتها وخياراتها.
الثابت الوحيد في شارع النميمة السياسية الأردنية اليوم هو أن أحد أذرع المؤسسة الأمنية في الماضي القريب في طريقه مثل ثلاثة وزراء على الأقل لمحاكمات محتملة تحت عنوان الفساد الإداري والتمترس وراء استغلال الوظيفة.
إذا بدأت هذه المحاكمات فعلاً، فمن الصعب إقفالها في نطاق محدود. وقد تنسحب على ملفات عدة وشخصيات بارزة، خصوصاً في السياق البرلماني حيث لعبة محفوفة المخاطر بين مراكز قوى مترددة أو يهابها الآخرون.
في كل حال، الثابت أيضاً أن التسريبات قوية عندما يتعلق الأمر بمسؤولين كانوا قبل أسابيع في عمق صناعة القرار التنفيذي وأصبحوا اليوم مطلوبين إما للتحقق أو للتحقيق بالتزامن مع تنشيط لم تتضح تفاصيله بعد بعنوان مهلة لعشرة أيام تنتهي غداً الثلاثاء رسمياً لرجل الأعمال البارز المقيم خارج المملكة وليد الكردي لتسليم نفسه.
صيغة المهلة التي أعلنتها السلطات بخصوص الكردي، إمبراطور الفوسفات السابق، تحاول إرضاء الشارع الأردني والإيحاء بأنه لا كبير على المحاكمة عندما يتعلق الأمر بمقتضيات وواجبات التطهير الذاتي، خصوصاً وأن المطلوب من غيره أيضاً «تسليم أنفسهم» والإقرار بما فعلوه. وبمعنى آخر، عندما تمهل محكمة الجنايات رجلاً من وزن الكردي عشرة أيام لتسليم نفسه دون أن يحصل هذا التسليم تكون الفرصة مواتية لإطلاق نسخة جديدة من المحكمة ضد الرجل المشار إليه، وبالتالي إصدار حكم قضائي بغياب المتهم.
قد يمهد ذلك لتسوية مالية أو لمطالبة جديدة بالكردي بعدما وصف رئيس الوزراء عمر الرزاز علناً ملف استجلاب الرجل بأنه صعب ومعقد للغاية.
دوماً ثمة أسرار في المسالة.
دوماً ثمة روابط وفوضى وتجاذب بين أجنحة وتيارات مراكز القوى والثقل، فالتصعيد القانوني الجديد بعنوان الكردي يتزامن اليوم مع حديث الحراكيين ومواقع مقربة من السلطات عن وقوع وشيك لشخصيات أمنية قريباً في «شر أعمالها». وهو نفسه الشر الذي تحدث عنه الملك عبد الله الثاني علناً برسالة شهيرة إلى مدير المخابرات الجديد الجنرال أحمد حسني صنفت بأنها انقلاب سياسي دستوري لصالح العودة إلى مرتكزات الدستور.
بعض الأوساط العميقة تفضل العودة هنا عند محاولة الفهم والاستقراء إلى صيغة نشرت رداً على تقرير شهير لصحيفة القبس الكويتية عن مؤامرة لتقويض النظام في الأردن، وهي تلك الصيغة التي تحدثت عن تورط موظف أمني مع رجلي أعمال، أحدهما في الخارج والثاني في الداخل. وفي أقرب نقطة لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ونائبه الدكتور رجائي المعشر، ثمة قناعة بأن الحديث – مرجعياً – عن «منحرفين استغلوا الوظيفة» في مواقع متعددة ينبغي أن لا يقف عند حدود التشهير بهم فقط. يؤشر القطبان، الرزاز والمعشر، هنا إلى خطوة لاحقة بعنوان المعالجة تقتضي المحاكمة والتحقيق القضائي.
ثمة مأزق فني؛ لأن البدء بأي محاكمة لشخصيات رفيعة يحتاج إلى الإغراق في الحسابات، خصوصاً إذا كان المطلوب محاكمات علنية، لأن التنظيم المعني بالأخطاء والمتهم بها داخل أجهزة ومؤسسات رسمية يتميز مثل أي تنظيم علني بـ «العلاقة الخيطية». وهو ما إشار إليه مراقبون عملياً عندما تحدث الملك شخصياً عن موظفين أساؤوا استغلال وظيفتهم وتم التصرف معهم، مشيراً إلى أن فئة قليلة من هؤلاء تواجدوا في المؤسسة الأمنية مثل بقية المؤسسات.
وهنا أيضاً لا بد من التوقف عند جرأة المكاشفة المتعلقة بخطوات تطهير الذات. وما يرشح بالمقابل عن القطبان المعشر والرزاز بخصوص توافق وطني غير مسبوق حصل مؤخراً بين مركز القرار الملكي ومركز الثقل في الإدارة الأمنية الجديدة على صيغة العودة إلى «الاحتراف والمهنية».
تلك صيغة يبدو أن مدير المخابرات الجديد الجنرال حسني يؤمن بها ويدعمها، وهو ما يتوافق مرحلياً مع الرؤية الملكية، وبالنتيجة مع طموحات الرزاز والمعشر في البقاء والتمديد والسعي لقلب صفحة جديدة في البلاد.
الإيمان لا يعني بالضرورة الالتزام بالتنفيذ، فالتشابكات المحلية أو الإقليمية معقدة، وبعض المخطئين أو المنحرفين من المؤسستين البيروقراطية والأمنية هم على نحو أو آخر ضحايا لفكرة «التوسع في الصلاحيات» وإنتاج مادة يومية للانحراف بسبب التغول الكلاسيكي للأمني على حساب السياسي. وتبدو إعادة التوازن اليوم ما بين الأمني والسياسي مهمة صعبة ومعقدة خصوصاً مع الاشتباك بمعية رؤوس كبيرة.
لكن الواضح أن الجنرال حسني، على الأقل، يحاول الاتجاه نحوها متحملاً بروح الجندي كلفة المقاومة والتفسيرات والتأويلات التي تعج بها الساحة.
يحصل ذلك في الوقت الذي يسعى فيه عقل الدولة فعلاً للاحتواء وتحت عنوان السؤال الذي أثاره عضو البرلمان السابق والمسيس محمد الحجوج، تعليقاً على ما تحدثت عنه «القدس العربي» عندما سأل باسم الدولة عن الفارق ما بين مطالبتها بالتصدي ومقاومة صفقة القرن المزعومة وإشغالها في الوقت نفسه بالكثير من الانفلاتات الداخلية مع سواد ثقافة التشكيك؟