أزمة الرمثا كشفت بعض «المستور»: خبرات جنوبي سوريا «معطلة» والمفاوض الأردني في «غيبوبة»
يصمت اللاعب «الأردني»، لأسباب غير مفهومة، في غرفة العمليات والتنسيق مع الأمريكيين والروس وحتى الأوروبيين عندما يتعلق الأمر بملف ترتيبات الجنوب السوري.
وما لاحظه مؤخراً حتى السفير البريطاني النشط في عمان، إدوارد أوكدن، يؤشر إلى أن «خبرات» الأردنيين في الجنوب السوري، اجتماعياً وأمنياً، لا توضع على طاولة البحث عندما يتعلق الأمر بغرف واجتماعات التنسيق.
المعنى واضح في ملاحظة دبلوماسية من هذا النوع، والإشارة أوضح حيث يقرر الموظف الأردني المنتدب دوماً عدم التحدث وإظهار قدر كبير من «الالتزام» الحرفي وبدون نقاش بالترتيبات المرسومة في واشنطن أو موسكو أو غيرهما، على اعتبار أنها توصيات ملزمة. لكنها «ليست كذلك»، فكل مفاوضات الملف السوري يختلجها شعور بالحنين لأي ملاحظة تنسيقية تنسجم مع المعيار المحلي للمصالح الأردنية التي لا يعرفها في الواقع المستشار أو المنتدب الأمريكي أو الروسي أو غيرهما.
حتى دمشق تبث رسائل من هذا النوع لبعض وسطاء عمان، وهي تقول بأنها لم تعد متحمسة فعلاً، خصوصاً بعد قرار منع الاستيراد لبقاء معبر نصيب الحدودي مفتوحاً. «إذا أردتم، أغلقوا المعبر مجدداً»..هذا ما قاله وزير النقل السوري علي حمود وهو يحاول التفاعل مع «متطلبات أردنية» تبرز فجأة وبدون مبرر ولها علاقة بحركة الشاحنات، بالرغم من إخفاقه في تدبير لقاءات رسمية.
في الاجتماعات المغلقة لأغراض التنسيق، لا يمانع أي طرف دولي الحديث في المصالح الحدودية.
لكن الملاحظة الأبرز هي تفوق درجة من الامتثال لتمرير مصالح الآخرين دون ترك هوامش مناورة ذاتية، الأمر الذي يعتقد بأنه انتهى عملياً بأزمة واضطرابات مدينة الرمثا الحدودية الأخيرة.
بالقياس والمقاربة، يحتار المراقب للتموقع الأردني الغامض في إدارة العلاقة مع الملف السوري وهو يشاهد درجة أعلى من الانفتاح على النظام السوري تمارسها دول حليفة للأمريكيين في الجوار مثل الإمارات ومصر. مصر مثلاً، تتعاون من سنوات مع وزارة الدفاع السورية، وتتواجد بقوة في قناة اتصال خاصة أقامتها مع السوريين.
والإمارات فتحت سفارتها، ومؤخراً تواجدت شركات إماراتية بكثافة وبعدد كبير في معرض دمشق الدولي الذي يبعد بالسيارة عن العاصمة عمان مسيرة 120 دقيقة عملياً.
وفي الأثناء، أخفق الطرفان، الأردني والسوري، في التوصل إلى أي اتفاق منتج بشأن الاستثمار في معبر نصيب الحدودي بعد إعادة افتتاحه منذ أشهر عدة.
كما تبرأت دمشق من تحرشات سفيرها السابق المطرود من عمان بهجب سليمان، واعتبرتها لا تمثل موقفاً رسمياً، وأشارت إلى إمكانية مقاضاته في بيروت حيث يقيم، في الوقت الذي حاولت فيه العاصمة السورية –بالتوازي- التخفيف من عدد الناطقين باسمها في المؤسسات الأردنية، مثل البرلمان.
قياسا بالامارات ومصر والكويت لا يوجد ما يدلل على ان الحكومة الأردنية تنجح في الحفاظ على الحد الادنى من مصالحها وسط تقاطع الحسابات الأمريكية والروسية وحتى الاسرائيلية في العمق السوري.
وقياساً، بالواقع الموضوعي، كادت بيانات رسمية توجه تهمة تحريض أهالي مدينة الرمثا على سلطات بلادهم لجهات سورية عبر الإشارة إلى عملية تحريض تتم من جهات خارجية.
يبدو هنا، لمن يعرف التفاصيل، أن المفاوض الأردني «يتغيب» ويبالغ في «الامتثال» لحسابات ومصالح الآخرين، ولا يتمتع بالمهارة المألوفة عنده وعنه في الماضي عندما يتعلق الأمر بتحقيق مكاسب الحد الأدنى وهو يدير ملف العلاقات مع سوريا.
خففت جميع الدول موقفها من النظام السوري، بما في ذلك قطر والسعودية، وبقيت عمان وحيدة في ميدان تطبيق ما يقرره الآخرون ولو عبر حساب اختراقات مصلحية محتملة وممكنة وتسمح بها عملياً العلاقات مع الأمريكيين وغيرهم، ودون مزيد من الاسترسال في المخاوف.
وحصل ذلك بالرغم من أن العلاقات مع ألد خصوم النظام السوري في المنطقة، مثل تركيا وقطر، لا تزال عالقة ولا تتمتع بالحضور القوي في مفارقة سياسية إقليمية أردنية بامتياز لم تعد مفهومة.
كل ذلك لا يعني إلا أن مصالح وحسابات الدول الأخرى تحظى بمكان متقدم في حسابات النخبة الأردنية على حساب بوصلة الانفتاح من أي صنف على دمشق في ميزان دبلوماسي وسياسي مختل تماماً انتقده علناً لاعب أردني دولي من وزن الدكتور طالب الرفاعي وهو يتحدث إلى «القدس العربي» مباشرة عن إمكانية الحرص على مصالح وطنية، وخاصة حتى في ظل الانسجام مع الموقف الدولي من الدولة السورية.
وفقاً لما رصده الرفاعي وغيره، وحتى في صفوف قيادات إسلامية، ليس صحيحاً أن ثمة قوة دولية تمنع المملكة من إظهار قدر من الحرص على مصالحها في سوريا عندما يتعلق الأمر بقواعد الاشتباك مع الملف السوري، خصوصاً أن دولاً مثل ألمانيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة، تتواصل بطرقها اليوم مع نظام دمشق قبل أن تكشف أزمة الرمثا الأخيرة المستور في مسألة غيبوبة المفاوض الأردني.