أمير الهاشميين الأتراك محمود قبلان: تحضيرات لمؤتمر توحيد الهاشميين وتاريخ “الشقاق” بين العرب و”العثمانيين” مزور
عندما استقبلنا أمير الهاشميين الأتراك محمود قبلان في مكتبه في العاصمة أنقرة لم تكن الزيارة لأغراض صحافية ولم يكن من الممكن توقع نقاشات حيوية في الملفات السياسية وفي الأبعاد التاريخية مع شخصية تركية تعمل بهدوء وصمت على ميثاق لربط الأواصر وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في العالم الإسلامي.
الأمير قبلان أو نقيب الأشراف في الجمهورية التركية كما يصفه بعض الإعلاميين، شخصية تلفت الانتباه ليس فقط بحكم الخطاب السياسي المعتدل الذي تتبناه أو بحكم انتمائها للوطنية التركية في أبهى تجلياتها، ولكن بحكم الانشغال الحقيقي في توثيق وأرشفة وإعادة كتابة بعض مفاصل التاريخ المهمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بترسيم تلك العلاقة التاريخية بين تركيا بمضمونها الشعبي والإسلامي وحتى المدني والعصري وبين شعوب الدول العربية والإسلامية ومؤسساتها وقادتها.
كنت في زيارة مجاملة للأمير التركي برفقة سياسيين أردنيين وبدون خطط لها علاقة بالتوثيق والتسجيل الصحافي. لكن سرعان ما تحول النقاش وسط حرارة الترحيب وحفاوة الاستقبال إلى مادة دسمة تطلق الفضول المهني فيتحول لقاء اعتيادي كان ينطوي على مجاملة إلى مداخلات ومناقشات وأسئلة وتعليقات لا يجد الأمير ما يمنع تدوينها ونشرها.
في الوقت نفسه رد الأمير التركي قبلان على أسئلة محددة طرحتها “القدس العربي” بعد لقاء صدفة تحول إلى مساجلة إعلامية وسياسية ذات قيمة.
الشمعة والظلام وحال الأمة
يتحدث الأمير قبلان بحسرة وألم عن حال الأمة العربية والإسلامية دون ان يتساهل في إظهار الثقة بمستقبل هذه الأمة ووجود ما يجمع بين أطرافها وشعوبها ودولها أكثر بكثير مما يفرق أو يؤدي للانقسام، متشبثا بالأمل في أن تتنشط كل خلايا الفكر والثقافة الحريصة والمسؤولة لكي تبقي جدوة الأمل الناشطة.
يريد قبلان بوضوح إشعال الشمعة بدلا من لعن الظلام.
ويريد قرع الجرس بدلا من الوقوف مطولا على محطة التذمر والشكوى ويتحدث باعتزاز وفخر عن تجربة عرب تركيا والهاشميين منهم في التنمية وبناء المجتمع التركي وعن ضرورة صياغة مشروع هاشمي حقيقي موحد يساهم في توحيد الأمة ونبذ الخلافات.
تسأل “القدس العربي” الأمير التركي عن قناعته الحقيقية في امكانية ان يلعب ما يسميه بالمشروع الهاشمي دورا في نبذ الخلافات وتوحيد المسلمين؟
يجيب بملء الفم: نعم المشروع الهاشمي لابد من احيائه على أسس شرعية وعلمية وعصرية. ونعم هو مشروع كفيل بان يتحدث مع كل الأطراف ويساعد كل المعنيين بنبذ الفرقة والاختلاف، ونعم واضحة فالمشروع الهاشمي واسطة عقد واعتدال في هذه الأمة وأهم ما يميزه بانه يستطيع التشبيك بين المسلمين وإعادة إنتاج كلمة توحيدهم وبصورة لا تقبل اللبس أو الغموض.
*وعن ماذا نتحدث هنا، وهل لديكم خطط أو برامج محددة؟
** نحن مهتمون في هذه المرحلة بتوحيد مؤسسات البيت الهاشمي أولا ونتجه بإذن الله وبعد مشيئته نحو تأسيس مفاهيم ولغة وبرامج لكي يتوحد الهاشميون في كل مكان في العالم الإسلامي ولدينا الثقة بأن أخلاقيات الإسلام تضمن أن يستمع الجميع لبعضهم، ونستعد مرحليا لعقد مؤتمر توحيد الهاشميين حيث نتحدث مع الأشقاء جميعا وفي كل مكان لأغراض هذه الغاية، وبعد هذا المؤتمر نتوقع مبادرات مسؤولة وأخلاقية تحت عنوان نبذ الخلاف ومغادرة منطقة الفرقة والانقسام.
*هل لديكم مادة مضمون ومحتوى وما هي طبيعة الاتصالات؟
**نحن مهتمون قبل أي شيء بتوحيد أمة الإسلام والمسلمين ومساعدة شعوبنا على التفكير بإيجابية ووقف نزيف الدم والطاقة السلبية التي تنتج عن الخلافات والفرقة ونمطية المذهبيات، ونتحدث عن خطاب معتدل يحظى بالشرعية التاريخية والأخلاقية.
ونعم نحن نجمع المواقف والوثائق اللازمة لتأسيس أدبيات الحوار الذي نهتم به ونتراسل مع كل المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية وفقا لما تقتضيه الضرورة.
مؤتمر لتوحيد الهاشميين
ضمن هذه المبادرات يهتم الأمير قبلان بعزل التفكير الطائفي بصفة خاصة فهو يعد الآن لتحضيرات مؤتمر يخص توحيد الهاشميين ويجري اتصالات مع أشقاء وشركاء كما يصفهم في مختلف الدول العربية والإسلامية بما فيها الباكستان واندونيسيا وماليزيا.
وقد عاد مؤخرا من زيارة خاصة التقى فيها عشرات النخب في الكويت ويتواصل مع أشقاء في السعودية ودول الخليج وقطر ويخطط للقاء مقتدى الصدر في العراق ويقول: نحن على مسافة واحدة من الجميع ومن المعيب ان نتمسك بالتقصير ولا نقوم بدورنا في المساعدة على توحيد المسلمين ونبذ خلافاتهم خصوصا مع بروز محاولات استثمار سياسية وأمنية بغيضة من قبل بعض الأطراف التي تعادي الإسلام والمسلمين وعبر لافتة الحقن الطائفي الـ “السيئ” والتفريق بين المذاهب والطوائف.
ويعتقد الأمير قبلان أن الهاشميين في تركيا وأشقاءهم من عرب تركيا وعددهم سبعة ملايين مواطن يفتحون صدورهم وقلوبهم لجميع الأشقاء المسلمين والعرب.
ويصر على أن الهاشمية فكرة عابرة للعرقيات والحدود والأجندات السياسية وهي فكرة توحيد للأمة أصلا غير قابلة للاحتكار ومنتجة للحوار وفعالة في تحصين وحماية كرامة الإنسان، الأمر الذي يجعل الهاشمية منهجية معتدلة تتقبل الجميع ويتقبلها الجميع.
*ما الذي تعنيه بمثل هذه التعبيرات؟
** الهاشمية فكرة كما قلت حان الوقت لكي نتجاوز فواصل الجغرافيا وأجندات السياسة وتدخلات الدول الطامعة الكبرى في شؤوننا ومصالحنا. هذا ما قصدته وأعنيه وأنا مؤمن بضرورة مغادرة الكلام والخطابة والانتقال إلى ميدان العمل وزرع الأمل في نفوس الناس، وأعتقد أننا في موقع يؤهلنا لمبادرة توحيدية لا تقف عند حدود سياسية أو جغرافية.
*يعني ذلك أنكم لا تتحدثون في إطار طابع سياسي فقط؟
** طبعا لا نتحدث في الإطار السياسي على أهميته وتجربتنا في التوثيق والمتابعة تظهر أن الهاشميين في جذرهم الاجتماعي أصلا موجودون في الجزيرة العربية والسعودية وفي تركيا وبلاد الشام وفلسطين وموجودون كذلك في مصر وحتى في العراق وفي إيران، ونحن نعتبر أنفسنا سدنة في محراب توحيد الناس ونخدم منهجية الاعتدال وننبذ الطائفية والفرقة والتطرف ونؤمن بأنه لا مجال لحماية شعوبنا ومصالحنا ودولنا إلا بالكلمة الطيبة السواء وبتوحيد الجهود.
العدالة في سوريا
يتحدث الأمير قبلان بلغة مباشرة عن السعي للعدالة والحقيقة في سوريا المجاورة، وعن وجود كتلة ديموغرافية من العرب الأتراك والهاشميين يتم استهدافهم في الشمال السوري.
ويؤكد بانه أرسل مذكرات بهذا الخصوص مع وثائق للأمم المتحدة لإنصاف الناس وتوقف الاستهداف لهم موضحا أن المجال الحيوي الطبيعي لبعض أهلنا في الشمال السوري هو الأهل والأشقاء في الجنوب التركي، ولا يجد ما يدفعه للتحفظ السياسي إزاء ذكر حقائق ووقائع تاريخية ويؤكد أمام “القدس العربي” أن الهاشميين لا يبحثون عن تراب، فالجزء التركي منهم لديه جغرافيا وتراب وتاريخ وعراقة، بقدر ما يبحث عن العدالة والحقيقة ووقف المعاناة، الأمر الذي يبرر المذكرات والمراسلات لهيئات الحقوق الدولية والإنسانية وللأمم المتحدة.
الثورة العربية والعثمانيين
وفي مسألة العودة للتاريخ ولتراث العداء بين التفكير العثماني والعرب، يفضل الأمير التركي ان تنقل “القدس العربي” بحرفية ووضوح رأيه في المسألة متحدثا عن عملية تزييف تاريخية في هذا المحور وعن رواية غير دقيقة تنطوي على “إسفين” مقصود لتفريق العرب والمسلمين والأتراك عن بعضهم البعض برعاية “بريطانية”.
*السؤال الأساسي له علاقة بتقييم الثورة العربية التي أطلقها ضد الحكم التركي الشريف حسين بن علي؟
**لا أعرف ما إذا كانت الموضوعية العلمية تقتضي الموافقة على استعمال مفردة مثل ثورة، لأننا نتحدث عن ظرف تاريخي هنا له معطياته وفيه إشكالات متعددة ومتقاطعة، ولا أذيع سرا إذا قلت أنني راجعت التاريخ والوثائق متحريا الموضوعية والصدق هنا واكتشفت ما يمكن وصفه بمحاولة مزورة لكتابة التاريخ في مثل هذه الصفحة.
*أين التزوير، وعن ماذا نتحدث في رأيكم هنا؟
**ما تدلني عليه الوقائع التاريخية باختصار هو فتنة زرعها الاستعمار البريطاني قصدا لإحداث شرخ وفرقة، وبالتأكيد اهتمت بها بعض الأطراف مرة باسم العرب ومرة باسم العثمانيين حيث منزلق حساس هنا نتج عن دعم صهيوني لتلك الفتنة ومحاولة واضحة وملعوبه ومكشوفة لتزوير التاريخ.
*لكن حصلت ثورة على العثمانيين وقادها الشريف الحسين بن علي في كل الأحوال؟
**من زاويتي وبعد تقليب صفحات التاريخ والوثائق يمكن القول إن الشريف الحسين بن علي وصحبه دافعوا عن أنفسهم في لحظة حرجة وهذا سلوك لا ينطوي على خيانة للعثمانيين. وليس سرا أن تصرفات بعض الحكام العثمانيين في المنطقة كانت سيئة وسلبية ولا يوجد ما يمنعني من القول بذلك من منطلق الاحترام لأصول ومبادئ العثمانية التي تكرس لخدمة الإسلام والمسلمين.
الانصاف يقتضي أن لا نسمح بتزوير التاريخ كما يراه أعداء هذه الأمة.
والانصاف يقتضي التأشير على أن بعض من مارسوا السلطة في ذلك الوقت باسم الدولة العثمانية تسبب بالأذى للهاشميين والعرب بحيث اضطروا للدفاع عن أنفسهم وتحركوا لرد الأذى في سلوك أعتقد انه لا يستهدف الدولة العثمانية نفسها.
يرفض الأمير قبلان وصف الثورة العربية الكبرى بأنها تنطوي على خيانة للإمبراطورية العثمانية ويسرد بعض الأسماء التي تورطت بتحريض بريطاني ومن الصهيونية العالمية لإيذاء الهاشميين وبتحريض أيضا من بعض اليهود.
ويطلب بوضوح من “القدس العربي” ان تنقل على لسانه أن الحديث عن خيانة العرب للعثمانيين حديث مفبرك ومزور وقد زوره البريطانيون لأغراضهم السياسية والاستعمارية في طبيعة الحال.
ويعتبر أن حقائق التاريخ تؤشر على تصرفات سيئة في مناطق العرب والهاشميين من قبل بعض الولاة مثل جمال باشا السفاح مثلا في مشهد استغله البريطاني واستثمر فيه لإنتاج هذه الفتنة.
ويصر على ان الوقت قد حان لذكر الحقيقة التاريخية وتجاهل وإنكار الصفحات المزورة من التاريخ والتطلع لوحدة هذه الأمة، فالتركي العثماني مع العربي الهاشمي يدا بيد في منطقة يستهدفها الغريب والأجنبي والاستعمار والصهيونية.
ويقدر الأمير أنه ليس من الحكمة الاستمرار في إشاعة الفوضى بين أجنحة هذه الأمة، فشواهد التاريخ المشترك أعمق وأكثر بكثير من تأثير بعض الأجندات السياسية الأجنبية لأغراض الفتنة والتحريض المتبادل.
وما يجمع الهاشميين والعرب بالإرث العثماني وبالشعب التركي أكثر بكثير مما يفرق بين الناس، وثمة مساحة مشتركة في إنتاج التوافق وصناعة الوحدة في الإرث العثماني وفي المشروع الهاشمي بالوقت نفسه.
وهو هامش يوفر في رأي الأمير التركي الهاشمي مساحة الانطلاق لتوحيد أجنحة هذه الأمة وأهلها وفرقها وطوائفها، لأن الإسلام في طبيعته عابر للطائفة والعرق والجغرافيا ولأن ما يجع التركي بالعراقي والإيراني والسوري كبير وعميق ومهم ومؤثر إذا توافرت النوايا الحسنة وإذا انتبه القوم جميعا إلى مصالح وأطماع الدول الاستعمارية البغيضة وتراثها المزور الذي تلوكه بعض الألسنة للأسف حتى اليوم.
يوجه الأمير قبلان في الختام رسالة للهاشميين وعلى رأسهم الأردن الهاشمي ويساند موقف الملك عبد الله الثاني في الدفاع عن مدينة القدس وفي التنديد بالمشروع الإسرائيلي وفي الاعتراض على استهداف حقوق الشعب الفلسطيني، ويعتبر ملك الأردن عميدا للهاشميين وفي موقع إقليمي ودولي وشعبي محترم ومقدر ويحظى بالمصداقية، مؤكدا أن مشروع توحيد الهاشميين من ضرورات مصلحة الأمة في هذه المرحلة وأن المؤسسة الأردنية الهاشمية يمكن أن تلعب دورا كبيرا يساهم في الأمر.