أين نذهب بـ «القديم»؟ عشية تحضيرات «الأردن الجديد»… حوارات في «العمق» و«الدولة الرعوية» هدف إجباري
وجوه جديدة في البرلمان واسترسال في حرب ضد الفساد
حسناً… «الأردن الجديد» هي العبارة الجديدة المستعملة بكثافة هذه المرة وبصورة متكررة وفي أطر مغلقة جداً وعميقة ليس في أقنية القرار والدولة والأجهزة العميقة فقط. ولكن أيضاً في تقييمات ملكية مرجعية. كذلك، وقد يكون الأهم في أقرب مسافة ممكنة من الحراك النشط والفعال مؤخراً لولي العهد الأمير حسين بن عبد الله.
بين القديم والجديد
طبعاً لا يمكن الجزم بأن مؤسسات الدولة توصلت فعلاً إلى تصور توافقي وموحد يعرف عبارة «الأردن الجديد»، خصوصاً عند محاولة الإجابة عن السؤال المحرج التالي: أين نذهب بالأردن القديم؟ ومن أين – بصورة محددة- نبدأ بالـجديد؟
لا أحد في أروقة القرار ضد «الأردن القديم».. استمعت «القدس العربي» لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الذي لمح للمسألة وهو يتحدث بملفين في غاية الأهمية، لهما علاقة بالإصلاح الإداري حصرياً، وبضرورة الاستعداد ثانياً لمرحلة «اختفاء الدعم المالي».
الأهم فعلاً أن الرزاز ورفاقه في «مصغر مجلس الوزراء» يحاولون بصعوبة البحث عن صيغة «مناسبة جداً وفعالة» لإقناع الرأي العام بأن مفهوم «دولة الرعاية» أو «الدولة الرعوية» ينتهي ويتلاشي. ويقر حتى الرمز الأبرز للأردن القديم في عمق القرار الحكومي، الرجل الثاني الدكتور رجائي المعشر، بأن «الظروف تغيرت» وبأن الاستمرار في منهجية «رعاية الدولة لكل شيء» صعب وأقرب للمستحيل. من يراقب المعشر تحديداً يفهم المبرر لاستمراره في الطاقم الوزاري يتولى إدارة غالبية الملفات باسم «الوزاري المصغر» بالرغم من تعبيره مرات عدة عن رغبته في «الانسحاب».
واضح تماماً أن المعشر، وخلافاً لعادته والمألوف عنه وطوال وجوده في عمق مشروع حكومة الرزاز، لم يتطرق لا علناً ولا في الاجتماعات لمقولته ونظريته المثيرة للجدل عن «الحقوق المكتسبة» والتحذير من المساس بها.
الظروف يبدو أنها تغيرت فعلاً، بدليل أن مشاريع «إعادة الهيكلة» فعالة ومتواصلة، وأن المعشر كحارس كلاسيكي للقوى التقليدية في عمق الحكومة توقف عن الكلام «غير المباح» وغير الشرعي الآن، في مرحلة بدأت فيها المملكة تستعد لمرحلة «الفطام» عن المساعدات، على حد تعبير مسؤول كبير جداً.
الفطام طبعاً له كلفته الصعبة، وينطوي على مجازفات، لكنه أصبح محطة ضرورية… هذا على الأقل ما يقال في أقرب نقطة من رئيس الحكومة ومكتبه الذي يتحول تدريجياً، وبعملية ذكية جداً بيروقراطياً، إلى «رئاسة وزراء».
في كل حال، يتحدث مسؤولون ووزراء بمفاهيم غياب وشيك لمظاهر الدولة الرعوية، وبينهم المخضرم والمحنك وليد المصري وزير الحكم المحلي واللامركزية الجديد في التوقيت نفسه، الذي يتصاعد فيه الحديث عن «عملية سياسية» واسعة ومثيرة وشيكة بعنوان تصعيد برنامج استراتيجي يحدد ويرسم ملامح «المملكة الجديدة».
يقر الرزاز والمعشر ورفاقهما في مجلس الوزراء بأن مرحلة الفطام عن المساعدات ينبغي أن تتعمد بطريقة ذكية ولا يمكن الوصول إليها بدون «معادلة ضريبية جديدة» سيضطر إليها الجميع ويطالب بها عملياً صندوق النقد الدولي.
بدورها، ستصبح أي معادلة ضريبية جديدة مخصصة لهزيمة «الدولة الرعوية» ضرباً من الانتحار أو المغامرة وإثارة الاحتقان إذا لم تقترن عضوياً بـ «ارتفاع ملموس في مستوى خدمات القطاع العام»، وقد قال الرزاز ذلك بوضوح في اجتماع خصص للبحث في ملف التنمية على مستوى لجنة وزارية. ما الذي تعنيه بصورة محددة عبارة «الأردن الجديد»؟
.. في وقت مبكر، لا يمكن الجزم بأي إجابة وافية شافية على سؤال كبير من هذا النوع يعود عملياً بالبلاد إلى جدلية «القدرة والرغبة». لكن المنقول والملموس وما يهمس به جميع المتورطين في القرار اليوم يؤشر على محطات محددة قد ترعاها مؤسسة ولاية العهد التي يشكل تقدمها واشتباكها مع الإيقاع العام «ضمانة دستورية» لغالبية الأردنيين ورسالة «استقرار» للخارج تشاغب عليها بين الحين الآخر أجندات هنا وهناك.
هنا حصرياً يمكن الاستدلال عبر جلسات عصف ذهني مبكرة، داخل أروقة القرار، على بعض ملامح التصور الجديد حيث مشروع يتنامى لمواجهة استحكام ودسم الفساد بوجبة جديدة من المحاكمات والتحقيقات ورسائل صلبة وخشنة في الاتجاه للجهاز البيروقراطي بكل تصنيفاته.
مصالحة مع الإخوان
وحيث أنباء تتسرب عن تيارات جديدة وسطية يتم تشكيلها، لكن بعضها بأدوات قديمة، ومصالحة مع الإخوان المسلمين تبقي الباب لا مفتوحاً ولا مغلقاً، إضافة إلى تعديلات على الدستور وقانون الانتخاب، وحرب بلا هواده وشرسة على «المال السياسي» وتأثيره في عمق القرار الانتخابي، ومستويات التمثيل التشريعي دون-بطبيعة الحال-أي قرائن على النجاح الفعلي في هذه التحديات التي يحاول رئيس الحكومة الرزاز الإيحاء بأنها «عابرة لحكومته» ولا تخصه مرحلياً.
بمعنى آخر، يمكن القول إن الاقتراب من صيغة اضطرارية تتحدث عن «تجديد الأردن» بدلاً من الوقوف على محطة الوصفات الإصلاحية التي يقترحها أو يفرضها الآخرون أصبح في المجال الحيوي للاستحقاق وقريباً جداً. لكن ذلك يحصل دون ضمانات بنجاح العملية، ودون مقاومة عكسية من «قوى الأمر الواقع» التي لا يمكن الاستهانة بنفوذها.