إخوان الأردن خارج «التشكيك» القانوني بقرار تاريخي لمحكمة «التمييز»… جاهزون للمرحلة المقبلة وعقاراتهم تعود لأصحابها
«تأملات» وتغييرات مرجعية في وثيقة بـ «أدبيات» غير مسبوقة
لا يمكن التعامل مع قرار محكمة التمييز العليا الأردنية بخصوص «شرعية جماعة الإخوان المسلمين» بمعزل عن مجمل النسق والتجاذب السياسي الذي أحاط بملف الإسلاميين والضغوط على الأردن لحظرهم طوال العامين الماضيين.
قرار أعلى محكمة أردنية في السياق له دلالاته الأعمق بعدما لجأت إليها الجماعة بصيغة قانونية ذكية لاستعادة سيطرتها على ملكياتها ومكاتبها وعقاراتها التي خطفت لصالح جمعية رخصت قبل عامين وحملت الاسم نفسه وكانت بمثابة انشقاق مرخص عن الجماعة الأم بقيادة المراقب العام الأسبق الشيخ عبد المجيد الذنيبات. الدعوى القضائية كانت الجماعة قد رفعتها أصلاً بعدما صودرت مقراتها وعقاراتها، وتم تمكين جمعية الانشقاق المرخص منها في عهد مسؤول أمني تقاعد مؤخراً واتهم باستغلال وظيفته
في كل حال، قررت «التمييز»، وهي محكمة قطعية نهائية قراراتها بمثابة القانون لازم الإنفاذ، أن جمعية الإخوان ليست «الوريث القانوني» لجماعة الإخوان المسلمين الأصلية. بمعنى أن «التمييز» تقرر ضمنياً بأن جماعة الإخوان المسلمين شرعية التسجيل، وأن الجمعية المنشقة ليست جسماً قانونياً يرث مؤسساتها وترخيصها، وبالتالي الجماعة ليست محظورة بل مسجلة قانونياً، والجمعية جسم آخر قانونياً لا علاقة له بالجماعة الأم، والأهم أن الملكيات والعقارات المتنازع عليها تعود لأصحابها.
بالمعنى السياسي والبيروقراطي، هذا قرار كبير جداً وتاريخي، يعيد تمكين جماعة الإخوان خصوصاً في عقاراتهم وملكياتهم، والأهم في جمعية المركز الإسلامي التي تدير إمبراطورية من الأعمال الخيرية في البلاد والتي سبق للانشقاق المرخص أن سيطر عليها بدفع من السلطة. الجماعة كانت أصلاً قد شاركت في الانتخابات الأخيرة ضمن ائتلاف وطني، وحظيت بعشرة مقاعد في البرلمان، فيما أخفقت الجمعية بالرغم من التغذية الرسمية لهـا. وبكـل حـال، سـياسياً.. يعود الإخوان المسلمون بقوة إلى الواجهة مسجلين ومرخصين وكجسم قانوني لا أحد يستطيع التشكيك فيه بعد قرار محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية أردنية، وبصيغة تثبت استقلالية القضاء الأردني، كما وصف عضو مجلس النواب خليل عطية.
أهمية القرار لا تقف عند هذا الحد، بل تتجاوز باتجاه إنهاء عملي وقانوني لجمعية الإخوان المسلمين حديثة التأسيس والترخيص وسحب الزخم منها خصوصاً عشية حديث جميع الأطراف عن سيناريو انتخابات مبكرة بالبلاد والمساحة الإقليمية المشتبكة والمفتوحة على كل الاحتمالات.
عملياً، يعزل القرار مجدداً، وعبر أعلى هيئة قضائية في البلاد، أي سيناريو لتهديد الإخوان المسلمين بسحب ترخيصهم أو اعتبارهم كما تريد الإدارة الأمريكية ودول صديقة للأردن، مثل السعودية والإمارات، «غير شرعيين» أو تصنيف الجماعة بالإرهاب. تلك أيضاً رسالة تقول المؤسسات الأردنية فيها بأنها ليست بصدد التحول ضد الإخوان المسلمين، خصوصاً وأن الحاجة الرسمية ملحة لهم ولثقلهم في المجتمع في المرحلة المقبلة التي تتضمن ترسيم حدود العلاقة مع الضفة الغربية والمسار الفلسطيني في الوجه الجديد للمنطقة الذي يجهز له الأمريكيون.
الرسالة نفسها تقول أيضاً أن المؤسسة الأردنية تركت المسألة بلا ضغط ولم تتدخل، وليست بصدد فتح صراع عميق مع جماعة الإخوان المسلمين التي وجهت بدورها رسائل وطنية وهادئة عدة مؤخراً عندما تجنبت المشاركة في الحراك واعتزلت الشارع ولم تستثمر في اللحظة الراهنة للاستعراض بعضلاتها ضد مؤسسات الدولـة، وهـو أمر حسـب لها على الأرجح في غـرفة الـقرار.
ويعيد قرار محكمة التمييز الأردنية جماعة الإخوان الأصلية للواجهة تماماً ويـنهي «دور» الجمعية التي تنافسهم. ويسمح القرار واجب التنفيذ وفوراً على الحكومة بعودة الإخوان لمؤسساتهم ومقراتهم التي خطفت منهم بسبب ترخيص الجمعية قبل أكثر من عامين.
الأهم، تقول المؤسسات الأردنية، أنها ليست جاهزة لاستهداف الإخوان المسلمين، ويوفر القضاء هنا وبصورة عميقة حماية خاصة لأحد أبرز مظاهر الاستقرار الاجتماعي والأمني الأردني في مرحلة مفعمة بالضغوط. وفي جلسة قبل محكمة التمييز بين قيادات إخوانية، فهمت «القدس العربي» من الشيخ زكي بني أرشيد أن الجماعة ليست معنية بالتصعيد وأنها مدرسة في الصبر على الضغوط ومعتادة على الاستهداف، وأنها موحدة داخلياً في مواجهة استحقاقات أي أجندات داخلية أو إقليمية.
في مقاربة الشيخ إرشيد، الحاجة ملحة لتوافقات وطنية ولتعليق الجرس لعملية إصلاح شاملة، ولا يوجد ما يمنع من التعاون مع السلطة وشبك الأيدي لحماية الأردن وبدون حساسيات.
لافت في السياق أن قرار محكمة التمييز صدر بعد ساعات فقط من إعلان الناطق باسم الإخوان المسلمين معاذ خوالدة، عن قرب إعلان وثيقة الجماعة الحوارية العميقة السياسية، وهي وثيقة «مراجعة شاملة» لكل الملفات والمحاور، ستضعها الجماعة بين يدي الجميع، صيغت بعناية ودقة وحظيت بجهد عميق لأسابيع، وفقاً للشيخ ارشيد. الوثيقة المشار إليها علمت «القدس العربي» أنها تتضمن «تأملات» نادرة، ولم ترد سابقاً في «أدبيات الجماعة الإخوانية»، وتحاول استقراء الدروس مما جرى في كل الساحات مع الجماعة، خصوصاً في مصر وتونس وبقية الساحات.