استطلاع الجامعة «الأردنية» بعد عام وحكومة الرزاز: ترحيب بـ «صعقة الرحيل» وزهد بـ «الشعبية» ولا «نجومية»
59% من المواطنين «خابت آمالهم» والأرقام هي الأضعف عند حكومة التيار الوطني
لا يوجد ما يرجح بأي حال أن يحفل رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز بنتائج أي استطلاعات تخص موقف الشارع والرأي العام من حكومته بعد عبورها العام الأول وتطلعها للعام الثاني في الحكم بمرحلة معقدة وصعبة جداً.
عندما يتعلق الأمر بسقف توقعات الناس ومواقف التيارات المدنية والليبرالية، يميل الرزاز إلى نظرة هادئة وناعمة لا تتعجل الاستنتاج، قوامها أن حكومته أصلاً «ليست منتخبة» حتى تحفل بتقييمها من شرائح المجتمع، وأنه لا يمثل بحال من الأحوال «حكومة أغلبية برلمانية» حتى يكون الخوف من تقييمات الجمهور أساساً في محركات الحكومة.
طبعاً، يبدو الطرح الرئاسي هنا منطقياً وواقعياً إلى حد بعيد، فالرزاز لم يتسلم وظيفته عبر صناديق الاقتراع، وفي إحدى الجلسات المغلقة والخاصة لم يتردد قط في الرد على استفسار لـ»القدس العربي» بعبارة تشرح بأن «حراك الدوار الرابع» مثلاً لم ينادِ بالرزاز رئيساً للوزراء، بل خرج وتشكل ضد قانون الضريبة في عهد حكومة الرئيس هاني الملقي.
لكن ما لا يريد الرزاز، وهو لا يمانع إطلاق صفة «كبير الموظفين» عليه بعيداً عن متطلبات الزعامة الوطنية أو السياسية، التوقف عنده وتأمله هو أن وقائع الاستطلاعات الأخيرة، التي تظهر قدراً كبيراً من السلبية في موقف الشارع تجاه طاقمه بعد تعديلين وزاريين أثارا الجدل، قد تستعمل يوماً وفي أقرب فرصة عندما يتقرر «إسقاط الحكومة» أو رحيلها، وهي أيضاً نتيجة يرحب بها ولا يمانعها الرزاز في لحظات الإحباط.
الحكومات في الحالة الأردنية دوماً «وظيفية»، والمخضرم سمير الرفاعي درج على الإشارة إلى أن صاحب القرار المرجعي قد يختار يوماً مبضع جراح وقد يختار آلة ثاقبة حسب الظرف والمتطلبات، مشيراً إلى أن التغيير الوزاري، وهو ما سمعته «القدس العربي» عدة مرات، يأتي مباغتاً مثل «الموت المفاجئ».
حكومياً، لا يظهر الرزاز أي اهتمام حقيقي ببقاء حكومته طويلاً، وضمنياً يمكن القول إنه يرحب بالصعقة إذا حضرت، وعملياً لا يمكن إسقاط تجربته وهي تحظى بالشعبية العريضة، ومن الصعب أن تسمح له مراكز القوى ونادي رؤساء الوزارات بأن يخرج «نجماً أو بطلاً» من التجربة والمشهد.
بكل حال، مثل هذه الطروحات مناسبة لإعادة قراءة نتائج الاستطلاع المثير المعلنة الأربعاء بخصوص توقعات الرأي العام بعد عام على تشكيل حكومة الرزاز، بمبادرة من مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية. وقال الأردنيون بوضوح وبنسبة تصل إلى حد 59% حسب العينة المستطلعة، بأنهم لا يتوقعون كثيراً من حكومة الرزاز، وقالوا بنسبة أقل قليلاً بأنها حكومة أخفقت في تقديم مقاربات وحلول منطقية للمشكلات الكبيرة.
أجمع المراقبون، وخصوصاً على منصات التواصل الاجتماعي، على أن حكومة الرزاز وفي الاستطلاع الموسمي السنوي نفسه حظيت بمرتبة متدنية جداً من الآمال والتوقعات والتقديرات، بل ظهرت بصفتها الحكومة الأقل توقعاً إيجابياً منذ عام 2011، بمعنى أن أربع حكومات على الأقل سبقتها رقمياً في الشعبية.
غريب جداً أن العينة الوطنية تعبر عن مثل هذا الموقف رغم اتهام الرزاز المتكرر بأنه يسلك المسار «الشعبوي» في أسلوبه وقراراته وسلوكه الإعلامي. والأغرب أن الحكومة تحظى بهذه الأرقام المتواضعة جداً في التقييم الشعبي رغم ارتفاع سقف التوقعات منها العام الماضي وحضورها الشعبي القوي إبان أحداث الدوار الرابع في شهر رمضان للعام 2018، ورغم أنها حكومة دعمت بقوة مؤخراً من القصر الملكي وبقية المؤسسات السيادية، حتى إن الرزاز قد يكون رئيس الوزراء الوحيد الذي تمكن من الإطاحة، لأجل إنجاح تجربته، بموظفين أقوياء في مكتب الملك والأجهزة الأمنية.
الحكومة بطبيعة الحال تصبح «آيلة للسقوط» فوراً عندما يتلقي التقييم الملكي المرجعي مع التقييم الشعبي، أو عندما يبرز استحقاق إقليمي حساس وخطير يتطلب «أدوات» من طراز مختلف.. وهو سيناريو مفترض بكل الأحوال قد يبرر لاحقاً عودة «القبضة الأمنية الخبيرة والخشنة» ممثلة بوزير الداخلية الحالي سلامة حماد.
لكن حسابات الرزاز غير معنية بكل مثل هذه القراءات، والرئيس لا يظهر أي اهتمام جدي إلا بإكمال منهجيته القائمة على التسلل قدر الإمكان من زوايا ضيقة لتحقيق إنجازات وبصمات محددة لا علاقة لها بالتاريخ بقدر ما لها علاقة بالواقع.
هنا حصرياً يريد الرزاز المغادرة وهو يشار إليه بصفته الرجل الذي تمكن من «تحسين خدمات القطاع العام»، ورفع من منسوب المصارحة الوطنية، وعالج الإشكالات مع صندوق النقد الدولي، وقاد البلاد إلى نظام «الفوترة» وإلى معادلة التخلص من «رعوية الدولة» إلى دولة المؤسسات القائمة على منهجية المواطنة بمعنى «الضريبة والخدمات».
المقربون من الرزاز يعرفون بأنه لا يريد «أكثر من هذه التحولات» واكتشف أن الطريقة اليتيمة لإنجازها.. من «داخل الدولة والنظام».
لكن المشكلة أن الشارع لن يستطيع رصد أو رؤية هذه الإنجازات المتواضعة قياساً بآماله وطموحاته بسبب: أولاً، «تراث الكذب» عند الحكومات السابقة، وثانياً غياب الإصلاح السياسي الديمقراطي الذي يمكن الجميع من رؤية المعادلة بوضوح.
الأهم أن الرزاز، ومع «واقعيته»، عندما يعتبر نفسه رئيساً مكلفاً للوزراء وليس منتخباً عينه القصر الملكي ولم تزحف به الجماهير، قد لا ينجح في تحقيق حتى تلك الإنجازات…على الأقل هذا ما تقوله استطلاعات الرأي العام وبعض حراكات مراكز القوى.