الأردن: أسطوانة الفئات المعادية لإصلاح قانون الانتخاب تضيف التيار المدني لقائمتها لتعطيل الإصلاح بعد الإخوان وإسرائيل
لا ينطوي الحديث الهامس بين الحين والآخر حول جدل قانون الانتخاب الأردني الوشيك إلا على مزيد من التكهنات والتجاذب في مستوى سياسي أدنى من مستوى السقف المأمول لإطلاق مشروع إصلاح سياسي شامل.
يعيد الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، الشيخ مراد العضايلة، التأكيد على أن الإصلاح الحقيقي والعميق والصادق ضمن سلسلة خطوات منطقية يشكل ملاذاً للجميع. ويستغرب المراقب العام الحالي للإخوان المسلمين، الشيخ عبد الحميد الذنيبات، أي سيناريو لمواجهة الاستعصاء الوطني بكل تعبيراته، بدون الاستثمار في درس الإصلاح السياسي الجذري.
في المقابل، لم يعد سراً في أوساط عمان البرلمانية والسياسية وخلافهما أن عبارة الإصلاح السياسي يرادفها دوماً وفوراً عبارة تعديل قانون الانتخاب.
الأهم في مقاربات قادة الأحزاب السياسية الكبرى، مثل حزب جبهة العمل الإسلامي، ليس فقط تعديل قانون الانتخاب وصيغة النظام الانتخابي، ولكن أيضاً تجريب النزاهة التامة في إدارة المنظومة الانتخابية ولو مرة واحدة على الأقل، الأمر الذي يعني ببساطة وصراحة السيطرة على ما يجري في غرف العمليات أثناء العملية الانتخابية.
ويعني لاحقاً تمكين الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات وطاقمها من مساحة مستقلة في العمل والتوجيه والإشراف تعزز منسوب النزاهة والتخلص من النظام الانتخابي الذي يعلي من شأن الجهة والقبيلة بطبيعة تقسيماته الإدارية على حساب الوطن والمصالح العامة والعليا. تلك برأي المعارضة أولويات في مسألة الإصلاح الانتخابي ومبادئ عامة لا تخضع إلى مساومة. لكنها في عرف التيار المحافظ وصفة سريعة لوضع البلاد والعباد عبر مؤسسة البرلمان المنتخب في حضن إما المشروع الإسرائيلي أو الإخوان المسلمين أو التيار المدني.
مؤخراً فقط، وعلى هامش الجدل العاصف بملف قانون الانتخاب، انضم التيار المدني إلى أساطير الرعب الديمقراطي والانتخابي، فعدد الذين يحذرون اليوم من برامج وأفكار تنفذ في المجتمع والدولة، وتحديداً في الحكومة باسم التيار المدني، يزيد وينمو، والحرس القديم بدأ يحذر ويقصف في اتجاه التيار المدني وحكومة الرئيس عمر الرزاز أكثر من قصفه المألوف باتجاه الإخوان المسلمين تاريخياً.
ولم يعد الإخوان المسلمون، في عرف الحرس المحافظ والقديم هنا، الجسم الذي سيسيطر على البرلمان إذا ما تغيرت معادلة الصوت الواحد الفرعي في نظام الانتخاب، فالتيار المدني يتغلغل في رأي التيار المحافظ ويسيطر على الاقتصاد وعلى الحكومة هذه الأيام، وهو مقدمة لتغيير شكل وهوية الدولة بما يتجاوب مع صفقة القرن والمشروع الإسرائيلي. تقال هذه الاتهامات حتى في اجتماعات سيادية وفي حلقات يفترض أنها واعية لما يجري، وتعتبر اليوم من أخطر وأهم معلبات الاتهام وأكثرها رواجاً في المرحلة.
الأمر سياسياً واجتماعياً ونخبوياً أصبح أشبه باختراع موسمي بين الحين والآخر لخصم ولعدو مفترض يخطط للسيطرة على الدولة مع الاسترسال في كذبة أو فرية تفكيك الدولة أو السحب من صلاحيات المؤسسة الملكية في مشروخة سياسية تتكرر كلما طالب مراقب بإصلاح سياسي أو بانتخابات نزيهة حقاً.
وهي المشروخة نفسها التي يستعملها أصحاب الامتيازات برأي محلل إسلامي ناشط وعميق من وزن مروان الفاعوري، الذي يقدر بأن كل الشرائح التي لا مصلحة لها لإصلاح حقيقي تحاول تشويه صورة الضرورة الانتخابية والديمقراطية، معتبراً أن عملية التشويه أسهل بكثير من عملية البناء.
وعليه، يبقى النقاش حول قانون الانتخاب في كل الأحوال مدعاة للاسترسال في إخراج الهواجس والمخاوف، بما فيها تلك المعلبة والأخرى المنطقية من سجلات الأرشيف غير الديمقراطي.
وقد ظهر ذلك جلياً عندما قمعت، في وقت مبكر، مبادرة تقدم بها الرزاز للبحث أصلاً في الملف تحت عنوان السعي لبصمة في مسار الإصلاح السياسي، كما قمعت وثيقة سياسية تقدم بها أحد الوزراء المسيسين لخدمة التنمية السياسية، وأخطر ما حصل هنا أن حفلة القمع بالاتجاهين شارك فيها وبحماسة ونشاط وزراء عديدون وبارزون في حكومة الرزاز حتى ضد رئيسهم.
هؤلاء تحديداً من فئة الوزراء الذين استعان بهم الرزاز لطمأنة التيار المحافظ والحرس القديم، وفي إطار تكريس المحاصصة الجهوية والمناطقية، لكن المفاجأة تمثلت في أن أول من أظهر تبايناً شديداً مع رئيس الحكومة هم هؤلاء الوزراء الذين استعان بهم أصلاً، ما دفع نظرية الرزاز، التي سمعتها «القدس العربي» منه مباشرة حول تمثيل جميع الألوان في المجتمع بوزارته، إلى اختبار في غاية القسوة.