الأردن: أول جلسة علنية في محكمة “امبراطور التبغ”… وأبرز حلفاء الأسد يدافع عن أحد المتهمين
شاهد الجمهور الأردني، ولأول مرة على الهواء مباشرة، إمبراطور التبغ المتهم عوني مطيع، وهو يؤكد مرات عدة من خلف القضبان بحضرة محكمة أمن الدولة ورداً على السؤال القانوني الأول لرئيس المحكمة قائلاً: “أنا لست مذنباً”.
لأسباب قانونية مفهومة أنكر مطيع وجميع المتهمين الذنب المقترف، في الوقت الذي عقدت فيه الجلسة الأولى للمحاكمة بصورة علنية التزاماً بوعد الحكومة بشفافية إجراءات المقاضاة.
تليت لائحة الاتهام مسندة إلى نحو 29 موقوفاً في هذه القضية، واستمع المواطنون أيضاً، عبر الكاميرات، لأبرز المتهمين في هذه القضية المتدحرجة، اللواء وضاح الحمود، المدير العام الأسبق للجمارك وهو ينكر الذنب بصوت خافت، وكذلك أفاد الوزير السابق الوحيد بين المتهمين، منير عويس، بأنه ليس مذنباً.
الجلسة الأولى في المحاكمة رفعت لتدقيق الملف.
لكن الملاحظات الأهم تلك المتعلقة بوجود حشد من مايكروفونات الفضائيات التلفزيونية سمح به القاضي المخضرم اللواء محمد العفيف، الذي يترأس المحكمة، في الوقت الذي ركز فيه العفيف طوال تلاوة اللائحة وبدء إجراءات المحاكمة علناً، على التأصيل القانوني المستند إلى اعتبار الجرائم من الجرائم الاقتصادية.
شركات السجائر الأمريكية تبحث عن تعويضات تصل لـ80 مليار و”المهربة” لا زالت في الأسواق
على صعيد هيئات الدفاع القانوني عن المتهمين، برز بأن المتهم الثاني وضاح الحمود، مدير عام الجمارك السابق، تمكن من حشد سبعة من كبار المحامين المعروفين للدفاع عنه، منهم رئيس سابق لمحكمة أمن الدولة إضافة إلى المحامي المسيس الشهير المقرب من النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، سميح خريس.
المتهم وضاح الحمود، مدير عام الجمارك السابق، تمكن من حشد سبعة من كبار المحامين للدفاع عنه
دفع المحامون فوراً، وفي نقطة السجال القانوني الأولى، باتجاه تصنيف الملف باعتباره جريمة اقتصادية، مطالبين بعدم المحاكمة ووقفها لدى محكمة أمن الدولة بدعوى عدم الاختصاص وباعتبارها محكمة استثنائية.
طبعاً رفض الطلب، لكن هذه البداية في الدفاع عن المتهمين تعكس نقطة التجاذب الأولى في ملف المحاكمة المعقد، حيث يرغب وكلاء الدفاع عن جميع المتهمين بنقل ملف التحقيق القضائي على أساس مخالفة لقوانين الجمارك وليس على أساس الجريمة الاقتصادية.
خارج قاعة المحكمة وبعيداً عنها ثمة جدل سياسي عاصف ومكتوم بين سلطات القرار الأردنية والشركات الأمريكية النافذة التي تضررت من عمليات صناعة وتسويق سجائرها الواسعة ضمن الشبكة الضخمة التي أدارها رجل الأعمال المتهم الأول عوني مطيع.
الضغط السياسي هنا لا علاقة له بمسار العدالة والتحقيق، ولا يعني محكمة أمن الدولة. لكن النقاش السياسي خلف قاعة المحكمة بين شركات أمريكية ضحمة عابرة للقارات والسلطات الأردنية يتمحور حول رغبة هذه الشركات، بعد تقليد علاماتها التجارية على نحو واسع، بأن يعاد ملف التحقيق إلى محكمة الجمارك.
هنا تبرز نقطة تقاطع مشتركة مثيرة جداً بين الشركات الأمريكية المتضررة وهيئات الدفاع عن المتهمين الرئيسيين، حيث يرغب الجانب الأمريكي باللجوء إلى محكمة الجمارك، كما فهمت “القدس العربي”، لأن قوانين الجمارك تضمن لها بعد أي محاكمة فرصة المطالبة بتعويضات من الشركات والأفراد بعد الإدانة في هذه القضية المعقدة.
الرقم المعني بالتعويضات الذي تطالب به شركات أمريكية عملاقة “مرعب وضخم جداً”، وقد يصل إلى أضرار على العلامة التجارية كلفتها تقترب من 80 مليار دولاراً، من الواضح أن الجهات الأمريكية المتضررة من عمليات التبغ وشبكة مطيع لن تحصل على دولار واحد منها إذا ما استمر تصنيف القضية باعتبارها جريمة اقتصادية وليست جمركية.
قرار التصنيف أصلاً سياسي، واتخذه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بسبب الأموال التي أهدرتها عملية فساد التبغ جراء التهريب والتقليد من الخزينة. وتكشف هذه الحلقة المثيرة من هذه القضية عن مستوى الورطة التي نتجت عن التراخي في مسألة تهريب السجائر وتزوير صناعتها، علماً بأن مراقبة العلامات التجارية مسألة تخص الشركات الأم وليس الحكومة الأردنية.
ومن المرجح أن التعويضات الضخمة التي تطالب بها شركات أمريكية تخضع للتسييس والابتزاز، وقد تدفع الحكومة الأردنية لتقديم تسهيلات وإعفاءات مستقبلاً لهذه الجهات تحت عنوان احتواء الضرر البليغ الناتج عن كشف ملف الموصوف بأنه إمبراطور إقليمي لتزوير السجائر وتزييفها.
لافت جداً للنظر أن هذه التطورات المتدحرجة في قضية فساد التبغ الأردنية تحصل بعدما أدركت دوائر القرار العميقة حجم ومستوى الأضرار المؤذية جداً لخزينة البلاد وسمعتها جراء التساهل أو جرائم الرشوات أو الفساد الإداري والترهل في أجهزة حكومية معنية بالرقابة على المال والبضائع والضرائب.
هذه الكلفة الكبيرة جداً على البلاد بكل الدلالات والمعاني جعلت مكافحة الفساد المحتمل في دوائر لها علاقة بالتهرب الجمركي والضريبي بمستوى أولوية وطنية عليا تتطلب إعلان الحرب على هذا النمط من الفساد الضار جداً وفقاً لمضمون ما ورد في نقاش حيوي وصريح بين الملك ونخبة من النشطاء والمحللين الأسبوع الماضي.
الأهم أن بعض الأصوات في البرلمان وخارجه بدأت ترتفع وهي تلاحظ بأن السجائر المهربة لا تزال موجودة في الأسواق بالرغم من كل ضجيج قضية مطيع والتبغ، الأمر الذي يوحي ضمنياً بأن النظام القانوني والبعد السياسي عالقان جزئياً في منطقة معقدة، من بين معطياتها حصول صراع ساهم في تأزيم وتثوير وفضح المشهد بين شبكات تحترف تهريب التبغ والسجائر، بعضها كشف النقاب عنه وبعضها الآخر لا يزال حراً طليقاً.