الأردن: إدمان التهميش والإقصاء
سياسة إقصاء واستهداف تيار راشد ومنظم وعميق ويمكن التفاهم معه مرحليا بين الحين والآخر مثل الإخوان المسلمين انتهت بان الدولة التي حاولت تدجين الإسلاميين تواجه اليوم مجموعات منفلتة من الصقور الحراكية غير المنظمة والتي تتميز بالصوت العالي والمليئة بالغضب على كل شيء له علاقة بالدولة ومؤسساتها.
لا أحد في الحالة الأردنية خصوصا في النخب الرسمية يريد أن يبذل جهدا في الاعتراف بالخطأ فمحاولة رعاية سلسلة انشقاقات داخل جماعة الإخوان المسلمين تحديدا والتي كانت طوال عقود شريكا مواليا للنظام السياسي انتهت بتنقية الجماعة وتخليصها من المشاغبين والمناكفين والموالين للسلطة بدلا من أن تنتهي بإضعاف الجماعة وتقليص حضورها الاجتماعي.
اليوم وفي الشارع الأردني تحديدا من يقف بدلا من الشيخ حمزة منصور داعية الإصلاح الراشد والمخلص للدستور والنظام هو مواطن غاضب يطرح خطابا عبثيا لا تستطيع السلطة مقابله معرفة ما الذي يريده بصورة محددة.
بدلا من التحاور مع الشيخ زكي بني ارشيد ضمن معادلات المنطق والمعقول تجد الحكومة الأردنية نفسها أمام صرخات مرتفعة السقف والهتاف يشارك فيها أو يرعاها بين الحين والآخر معارضون جدد من أبناء الدولة والنظام ومتقاعدون من الخدمة المدنية والعسكرية يشاركون في العزف على أوجاع الناس ويحاول بعضهم إيهام المواطن المسكين أن الوطن تم بيعه بعدما خرجوا من الوظيفة مباشرة.
لا أحد من الغاضبين الصارخين من المواطنين الذين تلفح وجوههم الأسعار المرتفعة يسأل وزيرا أو نائبا أو جنرالا سابقا من المحرضين له اليوم عن ما إذا كان قد أصلح من الأمور عندما كان في صلب الحكم والإدارة.
بالقياس وعندما يتعلق الأمر بالإقصاء والتهميش كخيار استراتيجي مورس بخشونة أكثر من ربع قرن تحت بند مخاوف مراهقة ولا معنى لها تبرز مفاجآت من الوزن الثقيل.
خرج احدهم قبل عقود من الناقدين ودعاة التغيير اليوم بفكرة «أردنة» التعليم العالي ويا ليتها كانت أردنة حقيقية على أساس المواطنة وانتهى المشهد لاحقا بعد تهميش وإقصاء عشرات الكفاءات تحت عنوان مضلل بالوضع الحالي المتردي للجامعات الأردنية.
حصلت عمليات تمكين انتهت بتحويل اصحاب بسطات ومروجي ممنوعات وأشخاص بسطاء إلى قادة في التمثيل الاجتماعي فكان البؤس الشديد هو الثمرة التي قطفها الجميع في الوطن حيث تدجين وتدجيل أكثر من التمثيل
حتى في الحراك الشعبي الداعي للتغيير والاصلاح ثمة شيوعيون وقوميون ويساريون يصنفون المواطنين الأردنيين إلى شرائح بعضها يحق لها الصراخ في الشارع وبعضها الآخر وظيفتها الصمت والترقب.
ضربت ماكينة التهميش كل المستويات حتى أن أصحاب القرار المركزي وعندما يقررون التواصل مع رموز في الإعلام الوطني لا يجدون من يجلس معهم من المهنيين والخبراء الحقيقيين فتحصل الاجتماعات مع المنتجين للإشكالات الالكترونية والمهنية ومع مطلوبين للتنفيذ القضائي أكثر مما تحصل مع مهنيين قدامى من الطراز الرفيع قدموا زهرة حياتهم لخدمة الدولة والنظام.
الإقصاء ضرب أيضا وللأسف الشديد تلك القامات الوطنية الكبيرة من شيوخ العشائر وقادتها ورموزها أصحاب السمعة الطيبة من الذين يصغي لهم الناس وتم استنساخ العشرات من شرائح شيخ العشيرة التايواني على حد تعبير أحد الزملاء فتحولت المسألة العشائرية في بعض التفاصيل بعد إبعاد وإقصاء رموزها إلى اصوات مراهقة او انتهازية تبتلع المصالح والامتيازات باسم العشيرة ولا تمثلها.
طورد الحزبيون الحقيقيون والمستقلون المهنيون في الانتخابات العامة وحصلت عمليات تمكين انتهت بتحويل أصحاب بسطات ومروجي ممنوعات وأشخاص بسطاء إلى قادة في التمثيل الاجتماعي فكان البؤس الشديد هو الثمرة التي قطفها الجميع في الوطن حيث تدجين وتدجيل أكثر من التمثيل.
وحيث بوصلة برلمانية تائهة وتثبت يوميا أنها تائهة، وبسطاء مع الاحترام الشديد لأشخاصهم تحولوا إلى رموز باسم الدولة قبل أن يصبحوا في اليوم التالي عبئا شديدا على الدولة ومؤسساتها واجهزتها لأن كلفة إدامة مصالح هؤلاء ولا نتحدث عن البرلمان حصريا كبيرة جدا وتحتاج للاسترسال مرة تلو الأخرى في الدفع قبل الرفع السياسي وفي التغطية على الحماقات والتي تحولت إلى ثقافة فاسدة خلافا لأنها ساهمت في تغذية أحد أبشع أنواع الفساد في الضائقة الوطنية.
في طبقة المثقفين والفنانين أقصي ايضا اصحاب الخبرة ومات بعضهم جوعا في بلد كانت الدراما التلفزيونية المنتجة فيها تحتل الصدارة بدلا من الدراما التركية قبل ربع قرن.
تم ايضا إقصاء طبقة رجال الدولة فاستلم الإدارة مجموعات شللية على قاعدة إطلاق الفيل في حقل جرار واختطفت المناصب والوظائف العليا والمتوسطة وأهينت فكرة الولاية العامة وتم إذلال الوظيفة العليا عند الاصرار على تسليمها لمن لا يجيدها حتى وصل الأمر لقناعة مرجعية ومركزية بان الموظف والمسؤول في الحالة الادارية الأردنية اتخذ قرارا واحدا فقط وهو «عدم اتخاذ أي قرار». يتحدث الجميع اليوم عن الاصلاح في الأردن، ولا شكوك في نوايا المؤسسة الرسمية في هذا المسار.
لكن الإصلاح يبدأ من هنا وتحديدا من ضرب فكرة الإدمان على الإقصاء والتهميش بدلا من تحويلها إلى قدر يمثل الإرادة السياسية الموجودة والتعامل مع التداعيات على هذا الأساس.