الأردن: إنزال خلف خطوط الرزاز وقرائن على “إضعاف ثم ترحيل” حكومته
يبدو أن لحظة السؤال الأردني القديم تقترب، من الذي أحبط مشروع حكومة الدكتور عمر الرزاز؟
بعيدا عن الإجابة الاستباقية والمحتملة من المرجح أن المناخ النخبوي والسياسي العام في الأردن بدأ يتقبل مثل هذا السؤال بل ويطرحه قبل مرور عام كامل على تشكيل الوزارة المثيرة التي كانت أول وزارة يقفز بها الشارع في مظاهرات الدوار الرابع الشهيرة في أيار/مايو العام الماضي.
يحصل ذلك لأسباب متعددة بعضها موضوعي وله صلة بالحكومة نفسها ورئيسها وبعضها الآخر بكل أنماط “الإعاقة” التي زرعت في طريق التجربة من قبل ما يسميه الدكتور مروان المعشر بـ”قوى الأمر الواقع”.
آنذاك وفي أيار/مايو الماضي ارتبكت كل القوى التي تحرس الدولة وخياراتها عندما تجمع آلاف من أهل العاصمة المنتمين للطبقة الوسطى خلف خيارين تصعيدين ضد حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي حيث اضراب عام ينجح لأول مرة وتجمع حاشد بهتاف يدعم إسقاط قانون الضريبة.
الارتباك الارتجالي في دائرة صنع القرار قاد وزير التربية والتعليم الدكتور الرزاز إلى الواجهة قبل عام على الأقل من أجندة كانت تعده للمهمة نفسها.
خلال يومين فقط تحدث رزاز للشارع وهدأ الناس بعدما كرس الإنطباع عنه كرئيس وزراء من خارج النادي التقليدي يمكنه ان ينتج قدرا من المصداقية.
لكن الأخير وبعد أيام شكل حكومته فتسبب في الصدمة الأولى عندما حافظ على 15 وزيرا من حكومة سلفه الملقي قبل أن يبتلع نشطاء الدوار الرابع الصدمة الثانية وهي تمرير قانون الضريبة بنسخة طبق الأصل مع تعديل طفيف كما عبر من عند الملقي أيضا.
ضمنيا وطوال الوقت طلب الرزاز “مهلة” من الرأي العام لأن حكومته وكما جدد القول أمام “القدس العربي” لا يمكنها إجراء عملية “صيانة” لطائرة “خربانة” أثناء التحليق.
لسبب غريب منح الرزاز المهلة التي يريدها باعتباره ممثلا للتيار المدني لكنه أكثر من طرح المشاريع الكبيرة فتحدث عن مشروع نهضة وطني وعن تطوير القطاع العام ولاحقا عن “دولة الإنتاج”.
ثم سقطت ورقة اعتماد الرزاز الأولى عندما وعد الجمهور منفردا بـ”حكومة أغلبية برلمانية خلال عامين” هنا ثارت ثائرة القوى المحافظة داخل الدولة وخارجها وبدأت عملية “تحطيم أرجل الحكومة” و”تخويف” المؤسسة من أجندة التيار المدني وممثليه مع أن عملية تفريغ من السياسيين جرت للديوان الملكي حتى يعمل الرزاز بدون “وزارة ظل” ومع أن المستوى الأمني بقي بحالة حياد لفترة طويلة.
يظهر الآن أن الهدف من وزارة الرزاز كان أولا “إحتواء ناعم” لإنفعالات الطبقة الوسطى التي يمثلها عمليا وسياسيا وفكريا وهو هدف نجح إلى حد بعيد وعميق. وثانيا تدشين عملية مدنية قد تسمح بـ”إصلاح تدريجي” وإدارة اللعبة بالتوازي مع مؤسسات المجتمع الدولي المانحة التي يجيد الرزاز التعاطي معها ويمكنه مفاوضتها.
وهو ما حصل عمليا لكن في المقابل بدون تمكين رئيس الوزراء من استدراج مسيسين وإسلاميين للإنضمام إلى حكومته وابقاءه مقيدا قدر الإمكان بنحو ثمانية وزراء على الأقل تناسب مقاييسهم تماما القوى المحافظة والامنية داخل الدولة وهو ما يوحي به الرزاز في مجالساته الخاصة بالرغم من أن المعادلة كان وبحكم موقعه يستطيع مواجهتها.
اليوم وبعيدا عن هذا السياق التأريخي من يقرأ الإعلام المقرب من سلطات ودوائر القرار يدرك أن المزيد من أوراق الحكومة الحالية أصبحت “آيلة للسقوط” حيث تحصل انزالات خلف خطوط الحكومة شعبيا من موظفين كبار في الدولة بهدف الرد على ما يوصف في الأقنية الرسمية بـ”شعبوية الرزاز” وسعيه للشارع قبل أي اعتبار آخر. بحيث تبرز مبادرات لمعالجة المشكلات التي تطرأ من مراكز ثقل وقوى أساسية حتى بدون علم الرزاز أو عبر التشاور معه في الوقت الذي فقد الأخير القدرة على الإصغاء لنصائح المخلصين والحكماء وبدأ يخاطب مقربين جدا حوله بمفردة مثل “خذلتكم”.
ومن يتابع ملاحظات ترد من موظفين متقدمين في مكتب الملك أيضا يدرك أن الغطاء رفع عن الرزاز الذي فقد تماما زمام المبادرة في المقابل وغرق في الاعتماد على “توزير” أصدقاء شخصيين له على حساب التاريخ والجغرافيا. وحوارات القصر الأخيرة مع أعضاء نادي رؤساء الحكومات مثلا تمت بدون حضور رئيس الحكومة وخلافا للعادة.
وكذلك أظهرت معالجة أزمة المتعطلين عن العمل الزاحفين من العقبة لعمان أن الحراك بدأ ضد تجربة الرزاز من قوى الظل والداخل بصرف النظر عن الانجازات الحقيقية التي تركت بصمة من الصعب نسيانها خصوصا على صعيد فتح ملف فساد ضخم باسم السجائر والدخان