الأردن: “انفلات بيروقراطي” ورئيس “مختلف” والسؤال يتردد “هل أبلغت معاليه؟”
هل أبلغت معاليه؟” يتردد بكثرة هذا السؤال الصغير البسيط على لسان رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز خلال استقباله لبعض المراجعين والزوار من أعضاء البرلمان وغيرهم وبصورة ينتبه لها المستشارون والمرافقون.
السؤال يبدو بسيطا في الشكل. لكن عندما يتعلق الأمر بالمضمون يمكن الاسترسال والغرق في سلسلة تداعيات يثيره مثل هذا الاستفسار قد يكون من بين أهمها أن التواصل المعلوماتي اليومي بين رئيس الحكومة وطاقمه يعتريه بعض القصور والخلل. ومن بينها أيضا تشكل مساحة في عمق مجلس الوزراء تفيد في بعض الحالات على الأقل أن موظفين كبارا أو وزراء أو مسؤولين لا يقدمون لرئيسهم المعلومة الدقيقة، وأن الرئيس المرهق تماما هذه الأيام والذي استهلك حكومته اليومي والطارئ، بدأت تفلت من حوله بعض التفصيلات البيروقراطية.
الأهم أن مثل هذا الفلتان البيروقراطي مؤشر قد يكون حساسا على أن رئيس الحكومة بدأ يتشوش، وفي حال التفسير السلبي بدأ يستعين بالآخرين من خارج الحكومة حتى لا يجبر أي وزير عامل معه وبحكم شخصيته الديمقراطية السلسة على قرارات من النوع الذي يتخذ من عند الرئيس أو في مكتبه.
يسعى الرزاز لتشكيل حالة تشاورية تؤمن بصلاحيات الوزراء وبوقف أسلوب توجيههم وتزويدهم بالأوامر والتعليمات في كل صغيرة وكبيرة.
لكن يغيب في الأثناء هنا ومع زحام تفاصيل العمل البيروقراطي الواقع الذي يقول إن بعض أفراد الطاقم لا يقدرون مثل هذا الأسلوب الديمقراطي في التعامل معهم ويستطيع بعضهم الآخر المجازفة بمماطلة رئيس الحكومة أو حتى عدم الامتثال لقرارات مجلس الوزراء في القضايا الحاسمة والمفصلية وفي بعض الأحيان للمماطلة والتسويف في مسائل وملفات سبق أن التزم بها علنا رئيس الحكومة.
واجه الرزاز مثل هذه الإشكالية وهو يعد الرأي العام بحسم ملفات لها علاقة بالطاقة وأسعار المحروقات. وواجهها أيضا عندما بالغ شخصيا في الاحتفال بسلسلة اتفاقيات وقعت مع العراق وتبين لاحقا ان التوقعات انطوت على قدر من المبالغة.
حالة مماثلة يتحدث عنها الخبراء العميقون عندما يتعلق الأمر بملف الشباب أو التبغ والسجائر وتحقيقات الفساد أو بملف اتفاقيات التجارة، ولعل الحالة الأكثر وضوحا هي تلك الانتفاضة التي حركت مشاريع قطاع النقل في العاصمة عمان ودفعت الرزاز لمراجعة حساباته بشأن تعيين عمدة جديد للعاصمة بدلا من الحالي يوسف الشواربة.
الكيمياء بين الشواربة والرزاز زادت قليلا، والعالمون ببواطن الأمور يقولون إن عمدة العاصمة تأثر بالقرار المرجعي عندما قدم شرحا لتفاصيل بعض المشاريع وحظي كنتيجة بفرصة إضافية للعمل فتسارعت وتيرة مشاريع النقل في المدينة.
وعلى المنوال نفسه أرهقت مبادرات وتصريحات وزير التعليم العالي الدكتور وليد المعاني رئيس الوزراء وخلفيته التعليمية والأكاديمية.
ومع الانشغال اليومي بالمستجدات والطوارئ يبدو ان هناك هوامش تتمأسس في بنية وعمق مجلس الوزراء.
ويبدو في المقابل ان أجندات مراكز قوى أخرى في الدولة بدأت تظهر في تصريحات بعض الوزراء خصوصا عندما يتعلق الأمر بملف الإصلاح السياسي أو قانون الانتخاب.
إزاء مثل هذه التشويشات ومع هموم العمل اليومي والضغط الاقتصادي والسياسي والزحام المرعب في منطقة الطموح خصوصا في تحسين خدمات القطاع العام تصبح عبارة على شكل سؤال من وزن “هل أبلغت معاليه؟” حمالة أوجه وانعكاسا لحالة تتقلص فيها الهارمونية في العمل الجماعي على الأقل داخل الحكومة.
الرزاز “مرهق” ويعمل تحت ضغط المشكلات الطارئة يوميا، تلك حقيقة يقولها كل المقربين منه، لكن الرجل يصر وقد ألمح لذلك أمام “القدس العربي” مرتين على الأقل، بأنه لن يسمح للإحباط ان يصل إلى أقدام حكومته وانه مصر على عدم الاستسلام.
وقد قالها في إحدى المحاضرات علنا عندما أصر على أنه لن يستسلم ببساطة وفي وقت سابق شدد على أن لغة الانسحاب لا علاقة لها بقاموسه بالرغم من الضغط الشديد.
لكن مبادرات الطاقم الوزاري ومع ظهور بعض التباينات واللاعبين الجدد خصوصا بعد التعديل الوزاري الأخير تتمركز في اتجاه استنزاف الطاقة الحكومية خصوصا وان القيادة المرجعية والرأي العام يشتركان معا في رفع سقف التوقعات في مجال الأداء لحكومة يقودها شخص بمواصفات الرزاز.
أجندة استمرار حكومة الرزاز ممتدة فرضيا إلى شهر أيلول/سبتمبر عام 2020 على أقل تقدير. مسيرة طويلة في ظرف معقد من هذا النوع تحتاج إلى خطاب مركزي وضابط إيقاع لا يسمح كثيرا بالاجتهاد بعيدا عن النص، الأمر الذي يؤشر إلى أن الإكثار من صيغة السؤال الاستنكارية حول ابلاغ الوزراء حسب ملفاتهم وصلاحياتهم ينبغي أن تخضع وسريعا جدا للسيطرة.